الاثنين، 22 أغسطس 2022

مياه المجاري تكشف أسرار جدري "المثليين"

هناك أسرار وخفايا كثيرة تستطيع أن تكتشفها عن ممارسات وسلوكيات أي شعب وأي مجتمع من المجتمعات البشرية من خلال أخذ فقط عينات قليلة لا تتجاوز المليلتر الواحد من مياه المجاري. فهذه المليلترات البسيطة تحمل في بطنها أسرار الشعوب، وتعتبر بحر عميق وكنز لا يفنى من المعلومات الثرية والخفية، وهذه المليلترات القليلة تفضح كل ما تخفيه الشعوب من أعمال وتصرفات وعادات، فهذه المليليترات هي البصمة الوراثية للشعب في تلك المدينة.

 

فإذا أردتَ أن تعرف عن إدمان الشعب على أي نوع من أنواع المخدرات، فكل ما عليك فعله هو اللجوء إلى قطرة من مياه المجاري، وإذا أردت أن تعرف مدى شرب الناس للخمر فاذهب إلى هذه المياه الآسنة، وإذا أردت أن تبحث عن أكثر الأدوية والعقاقير شيوعاً وانتشاراً واستخداماً في المجتمع فمياه المجاري أفضل طريقة للإجابة عن هذا السؤال، وإذا أردت أن تدرس أنواع الكائنات الحية المسببة للأمراض والتي يعاني منها الشعب فكل ما عليك القيام به هو أخذ عينات من المجاري وستتعرف على حجم التهديدات الصحية المتجذرة في أي مجتمع ونوعية الأمراض التي قد يصابون بها والمخاطر الصحية التي قد يتعرضون لها، ولذلك تَعْتَبر بعض الدول الآن بأن هذه التقنية الحديثة كجهاز إنذار مبكر لأي حالة صحية مرضية مستقبلية.

 

وقبل زهاء سنتين كانت مياه المجاري هي التي تكشف للعلماء كل ما يتعلق بأسرار وخفايا الفيروس الغامض الذي سبب للبشرية وباء كورونا العقيم، فمن خلال سحب عينات من مياه المجاري ثم تحليلها للبحث عن المواد الجينية الوراثية نجحوا في الإجابة عن أسئلة معقدة ومحيرة كثيرة، منها متى وصل الفيروس إلى الشعب في أية مدينة كانت؟ وأين وكيف انتشر هذا الفيروس؟ وما هي تحوراته والتغييرات التي طرأت عليه؟ وهل الحالات المصابة بالفيروس في تلك المدينة في ازدياد أو نقصان؟

 

واليوم يلجأ العلماء والمختصون إلى هذه المياه القذرة مرة أخرى كوسيلة علمية يمكن الوثوق في نتائجها للتزود بالمعلومات الصحيحة والأولية، وفي وقتٍ مبكر جداً قبل فوات الأوان، إضافة إلى التعرف على الحقائق المرتبطة بالفيروس الجديد المسبب لمرض جدري القردة، والذي أقترح تسميته مرض "جدري المثليين"، فمنظمة الصحة العالمية تبحث عن اسم جديد لهذا المرض.

 

فهذا المرض الخبيث بدأ في الانتشار منذ مايو 2022 وبالتحديد في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم تسجل أية حالات لهذا المرض من قبل، فهو مرض مستوطن في دول غرب أفريقيا وليس في الدول الغربية، حيث انطلق الآن منها الفيروس ووجد فيها الحاضنة المناسبة والآمنة، فبدأ في النمو والتكاثر والانتشار إلى باقي دول العالم.   

والآن حسب آخر تقرير منشور في 19 أغسطس 2022 من الولايات المتحدة الأمريكية من "مراكز التحكم في المرض ومنعه" فهناك قرابة أربعين ألف حالة في معظم دول العالم، وفي دول لم تُعرف من قبل ولم تسجل بها أية حالات بالإصابة بهذا المرض، مما اضطر منظمة الصحة العالمية في 23 يوليو 2022 إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية العامة الدولية لجدري "المثليين".

كما أفاد التقرير الأمريكي بأن عدد الحالات في أمريكا وحدها بلغ قرابة 11 ألف في 49 ولاية، وهذ تمثل نسبة تقدر بنحو 35% من إجمالي الحالات على المستوى الدولي، واستنتج التقرير بأن هذه الحالات المرضية بجدري "المثليين" في تفاقم مستمر وزيادة مطردة مع الوقت، حتى أن بعض علماء أمريكا حذروا في 18 أغسطس في مقال لهم نشر في صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية بأن هذا المرض نزل على أمريكا ليبقى في أعضاء الجسد الأمريكي بشكلٍ دائم، فهذا الفيروس، حسب رأي العلماء، سيدور في المجتمع الأمريكي كما يدور فيروس الزكام الموسمي. وعلاوة على ذلك فقد توصل التقرير إلى استنتاج مهم جداً وخطير هو أن 99% من حالات الإصابة بجدري المثليين هو بين الرجال الشاديين جنسياً وبين الفئة الضالة منهم الذين لم ممارسات وسلوكيات جنسية منحرفة، علماً بأن الولايات المتحدة ممثلة في وزارة الصحة أعلنت في الرابع من أغسطس بأن جدري "المثليين" يمثل حالة طوارئ صحية قومية على المستوى الاتحادي.

 

وفي تقديري فإن من أهم أسباب هذا الانتشار السريع غير المتوقع لهذا المرض الغريب على معظم دول العالم هو عدم تبني سياسة الوقاية ومنع المرض من جذوره في المجتمع، وتجنب تنفيذ سياسة استئصال بؤرة ونواة المرض بين الشعب الواحد، سواء على مستوى منظمة الصحة العالمية أو على مستوى الدول. فكل الجهات المعنية بالصحة العامة تبنت سياسة العلاج غير المستدامة والتي لا تُوقف المرض ولا تمنع انتشاره، حيث قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، كما صرح المسؤولون عن وزارات الصحة في بعض الدول العالم بأن على هذه الفئة الضالة من المجتمع المسؤولة عن تفشي المرض تجنب فقط ممارسة الجنس مع أكثر من رجل، أو مع رجال جدد، مما يعني بأن هذه التوجهات السياسية لا تمنع السلوكيات الخاطئة، بل وتشجعها، كما أن هذه السياسات غير المسؤولة لا تحذر الرجال من ممارسة الجنس مع الرجال، أي أن مصدر المرض سيكون موجوداً وفاعلاً ومعدياً بين الشعب، بل وسيعمل على نشر المرض على المستوى القومي والدولي، فهناك شبكة قذرة من هؤلاء المثليين المنحرفين جنسياً في كل دول العالم.

 

ولذلك مع انتشار هذا المرض لا بد من أن يكون العلماء في أتم الاستعداد لمواجهته وأسرع في كشفهم وتحليلاتهم عن مدى إصابة الناس ومستوى تفشي المرض بين أفراد الشعب الواحد. وهناك عدة تقنيات تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف، وتحليل مياه المجاري عن فيروس مرض "المثليين" هو من التقنيات الحديثة نسبياً والتي أثبتت نجاحها في الكشف عن أوبئة معدية أخرى نزلت على الشعوب، وآخرها مرض كورونا.

 

فمن خصوصية هذا المرض هو أن الأعراض تنكشف على جسم الإنسان بعد أسبوع أو أسبوعين، وخاصة الأعراض الظاهرية على الجلد، أي أن الإنسان المصاب والحامل للمرض سيستمر طوال هذه الفترة في العيش بين الناس الأصحاء ونشر العدوى ونقله للآخرين دون الكشف عن تعرضه للمرض، ولكن مياه المجاري تستطيع فضح وجود المرض والكشف عن تفاصيله وأسراره من الناحيتين الكمية والنوعية، والتحذير منه وإعلان حالة الإنذار عن تفشي المرض، حتى تقوم الجهات المعنية بسرعة بأخذ الاحتياطات والإجراءات المناسبة للوقاية والعلاج منه، إضافة إلى تحديد المنطقة التي يوجد بها الفيروس المعدي.

 

وانطلاقاً من هذه الخبرات الدولية والتجارب العالمية الميدانية حول الكشف المبكر عن الأمراض المعدية عامة، ومرض جدري "المثليين" خاصة، فإنني أتمنى من دول مجلس التعاون، والبحرين خاصة من تبني هذه التقنية الجديدة والاستفادة منها وادماجها ضمن قائمة التحاليل الدورية واليومية الروتينية لمياه المجاري بحثاً عن أنواع الفيروسات والبكتيريا المعدية المسببة للأمراض.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق