الاثنين، 1 أغسطس 2022

إعلان حالة الطوارئ الدولية لصحة المحيطات

عندما ينزل وباء صحي عام شديد العدوى على البشرية جمعاء، فإن هناك لجنة متخصصة في منظمة الصحة العالمية هي "لجنة طوارئ نظام الصحة العالمي" تجتمع فوراً لتُحدد هوية هذا الوباء من جهة، وحجم الضرر الناجم والذي قد سينجم على البشر مستقبلاً من جهة أخرى، ثم تتخذ القرار المناسب اعتماداً على المعطيات المتوافرة حتى ذلك الوقت من حيث الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية الدولية، أم التريث حتى تتضح الصورة أكثر مع مرور الأيام في أسلوب غزو الوباء للمجتمعات البشرية في دول العالم. فهذه اللجنة اجتمعت في الثلاثين من يناير 2020 وأعلنت بأن مرض كورونا يشكل حالة طوارئ صحية عامة على المستوى الدولي، ثم في 11 مارس 2020 أعلنت بأنه وباء عالمي.

وفي المقابل تعاني البيئات الطبيعية من ماءٍ وهواءٍ وتربة ومسطحات مائية وغابات من أزمات عقيمة تنزل على أمنها الصحي، وتهدد عطاءها واستدامتها لنا وللأجيال القادمة، ولذلك لا بد من وجود منظمات ولجان متخصصة على مستوى الأمم المتحدة تستنفر قواها، وتعلن حالة الطوارئ الصحية على المستوى الدولي، وتوجه جهودها الجماعية المشتركة نحو إنقاذ هذه البيئات من التدهور نوعياً وكمياً، والعمل على حمايتها والمحافظة عليها لضمان استمراريتها في العطاء والإنتاج.

فالمحيطات، على سبيل المثال، تٌعد من أكثر البيئات التي أُهملت لعقود طويلة من الزمن، فأصبحت الآن تعاني من تعديات الإنسان المباشرة على حرماتها في كل دول العالم بدون استثناء، وتقاسي من تدخلات أيدي الإنسان على سلامتها وأمنها، حتى باتت هذه الاعتداءات تشكل تهديداً مباشراً يمس قدرتها على العطاء، ويضعف قوتها واستدامة إنتاجها من الخيرات الثرية التي تحملها في بطنها.

وكل هذه المخاطر العقيمة التي تحيط بالمحيطات وتنخر في جسدها طوال العقود الماضية، اضطرت الأمين العام للأمم المتحدة إلى الإعلان رسمياً عن "حالة الطوارئ للمحيطات". ففي اجتماع الأمم المتحدة للمحيطات(UN Ocean Conference) الذي عقد في مدينة لزبون(Lisbon) في البرتغال في الفترة من 27 يونيو إلى الأول من يوليو 2022، قال الأمين العام بكل وضوح وبدون أية مجاملات دبلوماسية وأمام وفود أكثر من عشرين دولة: "للأسف، نحن أخذنا المحيطات كأمرٍ مُسَلمْ به، واليوم نُواجه ما يمكن أن أُطلق عليه حالة طوارئ المحيطات. يجب أن نُحول المد". كما أكد الأمين العام بأن هناك دولاً مازالت ترفض معاهدة دولية لحماية المحيطات، وتضع العراقيل لمنع تحقيق ذلك، ومنها معاهدة دولية لتقنين البحث والتنقيب عن المعادن في مياه المحيطات العميقة، حيث إن كل دولة الآن لها الإمكانيات والمعدات تقوم بالاستكشاف عن المعادن في أعماق المحيطات دون رقيبٍ، أو حسيب، فهي تعتبر هذه المناطق خارج الحدود الجغرافية للدول، ولذلك فهذه الدول المتقدمة الصناعية تسمح لنفسها باستباحة حرمات هذه المناطق في المحيطات فتدمرها كيفما تشاء، وتستخرج منها الثروات والخيرات المشتركة العامة للجميع لتنميتها وقيام مصانعها عليها.

وهذه الصرخة المدوية العالية والإعلان الرسمي عن حالة الطوارئ الصحية للمحيطات، جاءت بعد عدة مبادرات وجهود قامت بها الأمم المتحدة ولكن دون جدوى، ودون وجود نية صادقة، وعزيمة حقيقة واقعية من الدول العظمى لحماية وإنقاذ ما تبقي من المحيطات. فهناك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982، أو ما يُطلق عليه عادة "دستور المحيطات"، والذي وضعتها معظم دول العالم في الأرشيف وأحالتها على التقاعد، وربما نسيت وجودها كلياً. كذلك من بين أهداف تحقيق التنمية المستدامة التي اعتمدت عام 2015، هو الهدف رقم (14) حول الحياة تحت الماء والذي جاء فيه: "الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام لتحقيق التنمية المستدامة". كما أن في الثاني من ديسمبر 2020 دشن رئيس وزراء النرويج(Erna Solberg) وكشف عن خطة عامة لحماية محيطات العالم الطبيعة، كما تم اعتماد تشكيل مجلس دولي من رؤساء 14 دولة تحت مسمى: "المجلس الأعلى حول اقتصاد المحيطات المستدام"( High Level Panel for a Sustainable Ocean Economy)، أو باختصار "مجلس المحيطات". ويهدف هذا المجلس إلى حماية المحيطات والاستخدام الأمثل والمستدام للموارد والثروات البحرية، إضافة إلى إجراء سلسلة دراسات وتقارير تحت عنوان: "الأوراق الزرقاء" حول كافة الجوانب والقضايا المتعلقة بصحة وأمن المحيطات.

فبالرغم من كل هذه الجهود "الورقية" التي لا ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجه المحيطات، وبالرغم من كل هذه التعهدات من الدول العظمى التي لها اليد الطولى المفسدة لصحة المحيطات، إلا أن المؤشرات العلمية التي وردت في التقارير والدراسات الميدانية تؤكد عدم فاعلية وجدوى كل هذه الوعود والتعهدات، حيث بلغت المحيطات مرحلة خطرة تهدد أمنها الصحي، فيمكن إطلاق حالة "الوباء الصحية الدولية" عليها. ومنها التقرير المنشور في 18 مايو 2022 من "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" تحت عنوان: "حالة المناخ الدولية 2021"، حيث أكد على التدهور النوعي والكمي للمحيطات نتيجة لعدة أسباب. أما السبب الأول والذي تتحمل مسؤوليته الدول الصناعية المتقدمة فهو التغير المناخي الناجم عن انبعاث الملوثات إلى الهواء الجوي من المصانع ومحطات توليد الكهرباء ووسائل المواصلات، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون. وللتغير المناخي تداعيات كثيرة منها سخونة الأرض وارتفاع حرارتها وإصابتها بالحمى المزمنة، ومنها ارتفاع حرارة مياه المحيطات، والتي تسببت في قتل الشعاب المرجانية وابيضاضها(coral bleaching)، والتي تعد رئة المحيطات بالنسبة للتنوع الإحيائي والثروة السمكية خاصة. كذلك ارتفاع مستوى سطح البحر وحدوث الفيضانات وتدمير السواحل وكل من عليها من مساكن ومرافق سياحية. وكل هذه التداعيات تسببت في انخفاض غاز الأكسجين في مياه المحيطات، وكشفت عن ظاهرة المناطق الميتة في المحيطات التي لا يوجد فيها الأكسجين، مصدر الحياة للكائنات البحرية. وهذه المناطق الميتة التي تحولت إلى صحراء مائية جرداء لا حياة فيها زادت من ناحية العدد والمساحة، حتى بلغت الآن نحو 400 منطقة، تزيد مساحتها عن 245 ألف كيلومتر مربع.

ومن جانب آخر هناك أسباب تندرج تحت عنوان "التلوث المباشر للمحيطات"، مثل صرف مياه المجاري المعالجة وشبه المعالجة إلى المناطق الساحلية، إضافة إلى التخلص من المخلفات الزراعية والصناعية السائلة في البيئة البحرية وتكوين ظاهرة المد الأحمر والأخضر، ورمي المخلفات الصلبة، وبخاصة البلاستيكية في السواحل وفي أعماق البحار، والتي هي في حد ذاتها كونت مساحات واسعة جداً من المخلفات الصلبة التي تدور حول نفسها في حلقة مغلقة في وسط المحيطات، مثل(The Great Pacific Garbage Patch)في المحيط الهادئ بين ولاية كاليفورنيا في الساحل الغربي من أمريكا وهاواي.

كذلك هناك الصيد الجائر للثروة السمكية، وعمليات دفن السواحل، إضافة إلى أعمال الحفر والتنقيب عن المعادن والنفط والغاز الطبيعي وإنشاء قواعد توربينات طاقة الرياح التي في مجموعها تُغير كلياً من البيئة القاعية للمحيطات، كما تُعد مصدراً للضوضاء المزمنة التي تؤثر مباشرة على الأحياء البحرية، وفقاً للدراسة المنشورة في مجلة "الجمعية الصوتية الأمريكية"(Acoustical Society of America) في 28 يونيو 2022 تحت عنوان: "فقدان السمع بسبب الضوضاء في الحيوانات البحرية الساحلية". فقد تناولت الدراسة الأصوات المرتفعة في السواحل وفي عمق البحر من مصادر مدنية وعسكرية والتي تسببت في فقدان حاسة السمع عند بعض الكائنات البحرية، وبالتحديد الثدييات، التي عادة ما تكون حساسة جداً لأي تغيرات بحرية في الموجات الصوتية.

فلا شك بأن كل هذه المصادر والأسباب التي تهدد حياة المحيطات لا بد من أن تكون حافزاً لدول العالم للمزيد من العمل الجاد والفاعل لإنقاذ ما تبقى من صحتها وصحة الكائنات الحية التي تعيش فيها، فالإعلانات والتصريحات وحدها لا تكفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق