الاثنين، 28 نوفمبر 2022

هل سيرى صندوق المناخ الجديد النور؟

اجتماع الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي رقم (27) والذي عُقد في شرم الشيخ في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022 لم يأت بجديد لسكان الكرة الأرضية، ولم تتمخض عنه قرارات حازمة وحاسمة تنقذ كوكبنا من الغرق في تداعيات التغير المناخي، فكل القرارات في تقديري كانت تأكيداً على القرارات التي اتخذت في الاجتماعات السابقة، وكلها كرَّرت وجددت مواقف وسياسات دول العالم حول القضايا المتعلقة بمواجهة التغير المناخي ومكافحة تداعياته المشهودة في كل شبرٍ من كوكبنا.

ومن القرارات التي اعتبرها البعض نصراً مؤزراً، واختراقاً جديداً لمواقف المجتمع الدولي حول التغير المناخي، وبالتحديد آلية الدعم المالي للدول النامية والفقيرة التي تعاني من تداعيات المناخ، هو الموافقة على إنشاء صندوق تحت مسمى "الخسائر والأضرار"( loss and damage).

وفي الحقيقة فإن فكرة تأسيس صندوق لمساعدة الدول المتضررة من تداعيات التغير المناخي ليست جديدة، وليست وليدة في شرم الشيخ، وإنما هي مقترح قديم تم تقديمه في عام 1992، ثم تم التفاوض حوله فعلياً منذ عام 2009 في الاجتماع رقم (15) في مدينة كوبنهاجن الدنماركية، وطُرح في هذا الاجتماع للتشاور والتفاوض حوله والخروج بنظرةٍ وتصور مشترك يوافق عليه الجميع، ولكن الفرق أنه جاء قبل أكثر من ثلاثين عاماً تحت مسمى وهدف مختلفين قليلاً وهو صندوق المناخ الأخضر(Green Climate Fund (GCF)).

وقد هدف هذا الصندوق إلى مساعدة الدول النامية المستضعفة التي ليست لها القدرة والإمكانات المالية والموارد الحيوية الرئيسة للوقوف أمام تداعيات التغير المناخي، حيث وافق المجتمعون على أن يكون الدعم في مجالين، الأول هو مساعدة الدول النامية على التكيف(adaptation) مع تداعيات الكوارث المناخية العصيبة، كموجات الحر، وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الناجمة عنه، والثاني هو دعم جهود التخفيف والتقليل من حدتها(mitigation). كما وافقت الدول الثرية والصناعية المتقدمة على تخصيص مبلغ 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2020 كمساهمة مالية لهذا الصندوق.

وهذا الصندوق قبل أن يُعترف به رسمياً من المجتمع الدولي، ثم يُفعَّل ويدخل حيز التنفيذ مرَّ بعدة مراحل عقيمة، منها مرحلة الهيكلة والتدشين، حيث سُلطت عليه الأضواء في الاجتماع رقم(16) في 2010 في مدينة كنكون في المكسيك، ثم مرحلة تحديد الجهاز الإداري واختيار كوريا الجنوبية كمقر رئيس للصندوق، والذي تمت الموافقة عليه في الاجتماع رقم(17) في مدينة ديربن بدولة جنوب أفريقيا في 2011.

ولكن هذا الصندوق يؤكد لي حقيقة مهمة جداً هي أن تعهدات والتزامات الدول في الاجتماعات الأممية التي تخضع لمراقبة العالم، من وسائل إعلامية ومنظمات أهلية، تكون مظهرية وسطحية، أي تكون بمثابة علاقات عامة وإظهار الدولة بالمظهر اللائق والمسؤول أمام الشعوب، ثم في الواقع لا تفي الكثير من الدول بهذه التعهدات التي قطعت على نفسها. فمبلغ المائة مليار دولار سنوياً لصندوق المناخ الأخضر كمساهمة من الدول الصناعية الكبرى المسؤولة تاريخياً عن وقوع التغير المناخي كانت فقط على الورق وأمام عدسات ووسائل الإعلام، حيث أفادت تقارير أممية بأن المبلغ الذي وصل إلى الدول النامية المتضررة من الكوارث المناخية تراوح بين 3 إلى 4 مليارات دولار فقط، وبعضها على شكل قروض مرهقة، أي أنها أخرجت الدول النامية من متاهة معالجة تداعيات المناخ إلى متاهة القروض والأعباء المالية والديون التي أثقلت كاهلها وقصمت ظهرها.

فكما أن هذا الصندوق المناخي الأخضر القديم أخذ سنوات طويلة ليرى النور، ثم سنوات طويلة أخرى لجمع المال من الدول الصناعية المساهمة في الصندوق، ثم سنوات عجاف أخرى لإنفاق وصرف جزءٍ بسيطٍ من هذا المال الذي تعهدت بدفعه الدول الغنية للدول الفقيرة، فإن الصندوق الجديد سيمر حتماً بهذه المراحل الشاقة الماراثونية، فالدول المعنية بالمساهمة والدفع ليست بعجلة من أمرها، وقد يموت موتاً مبكراً كما وقع لصندوق المناخ الأخضر.

فصندوق "الخسائر والأضرار" الذي تمت الموافقة عليه في اجتماع شرم الشيخ سيخضع لمرحلة دقيقة من التعريف والإعداد والتفاوض، حيث شُكلت لجنة للقيام بهذه المهمة وتقديم تقرير للمناقشة في الاجتماع رقم (28) في دولة الإمارات في نوفمبر 2023، وعلى اللجنة من أجل إعداد التقرير محاولة الإجابة عن أسئلة كثيرة صعبة ومعقدة وخلافية، منها على سبيل المثال:

أولاً: ما هو تعريف وتفسير صندوق "الخسائر والأضرار"، وماذا تعني كلمة "الخسائر"، وكلمة "الأضرار"؟

ثانياً: ما هو حجم الصندوق، أي كم المبلغ المطلوب لتشغيل الصندوق، وأين سيكون مقر الصندوق؟

ثالثاً: من هي الدول التي ستساهم في الصندوق، ومن الذي يحدد أسماء هذه الدول؟ وهل سيكون الدفع إلزامياً أو طوعياً؟ وهل ستتبنى الدول مبدأ "الملوث يدفع"، أي أن الدول التي تلوث الهواء بغازات الاحتباس الحراري هي التي ستدفع المال للصندوق.

رابعاً: ما هي الدول التي تستحق الدعم من الصندوق وما هي الدول التي تستفيد مباشرة من الصندوق؟

خامساً: ما هو نوع الدعم؟ هل هو صدقة ومساعدة إنسانية وإعانة مالية مباشرة للأضرار البشرية والمادية الناجمة عن الكوارث المناخية التي لها علاقة بالتغير المناخي أم أنها قروضاً وديوناً تدفع لاحقاً؟ أم أن إنفاق الدول المعنية سيكون على صورة التأمين على البنية التحتية والمرافق التي قد تتضرر من التغير المناخي في الدول الفقيرة، والذي يُطلق عليه "الدرع الدولي"(Global Shield

سادساً: هل سيكون الدعم للأضرار والخسائر الناجمة عن تداعيات التغير المناخي والكوارث المناخية بعد وقوعها؟ أم أن الدعم سيوجه نحو مشاريع مستقبلية تقع في باب مواجهة التغير المناخي وخفض الانبعاثات؟   

فهذا الصندوق حتماً سيواجه تحديات عقيمة، وفي تقديري أن الدول الصناعية الغنية التي من المفروض أن يقع عليها عبء ملء الصندوق ستحاول الهرب من الدفع والمماطلة في الموافقة عليه كما فعلت في الماضي، كما أنها ستعمل من جانب آخر على إجبار دول الخليج خاصة، والصين والضغط عليهم بكل الوسائل لتحمل جزءٍ من المساهمة في الصندوق، فنحن والصين في نظر الغرب نتحمل اليوم مسؤولية ارتفاع سخونة الأرض لأن المواطن الخليجي يُعد من أكثر مواطني العالم انبعاثاً للملوثات المناخية!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق