الأربعاء، 8 فبراير 2012

التطرف البيئي


هناك فكران متطرفان ظهرا مع الزمن بالنسبة لعلاقة البعد البيئي بالأنشطة البشرية والتنموية. أما الفكر الأول فقد نشأ مع ولوج الإنسان في الثورة الصناعية الأولى والبدء في عملية التصنيع الميكانيكي المستمر. هذه المرحلة من تاريخ الإنسان أهملت البيئة بشكلٍ كلي وتجاهلت وجودها وتأثيرها، وتوغلت بعمقٍ وعلى نطاق واسع في الجانب الإنتاجي والمردود الاقتصادي والربح السريع والكبير الناجم عنه، بحيث أعمى جني المال بصيرة الإنسان، وجعل غشاوة سوداء على نظرته وفكره، فأصبح الإنسان ينظر بعينٍ واحدة، ويسمع بأذن واحدة، ويفكر تفكيراً ضيقاً وقصيراً مبنياً على تحقيق النمو الاقتصادي فقط.

ثم بعد سنوات من هذه النظرة الضيقة والتوجه الاقتصادي البحت، وقعت كوارث بيئية على نطاق واسعٍ جداً، وسقطت ضحايا بشرية، وانكشفت ظواهر غريبة وقاتلة على المجتمع البشري، ونزلت الأمراض المزمنة كنزول المطر على الإنسان. فجاءت ردة فعلٍ قوية من الكثير من الناس الذين تبنوا فكراً ضيقاً آخر ونظرة عمياء أخرى، ولكن في الاتجاه المضاد الآخر، وهو حماية البيئة ومواردها الطبيعية ولكن بغلوٍ وتنطعٍ فكري، والدعوة إلى ممارسات غير عملية وغير مجدية ومؤثرة على جوانب أخرى يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية والواقعية كالجانبين الاجتماعي والاقتصادي والتنموي. وهذه النظرة أيضاً أثبتت الأيام قصورها وعدم جدواها في الارتقاء بطموحات الإنسان وحل مشكلاته المزمنة.

فجاءت مرحلة جديدة في الفكر البيئي عند الإنسان، فطرح أسس وسياسات تدل على نضوج فكره ورؤيته مع الزمن واستفادته من التجارب والخبرات التي مرَّت على تفكيره وسياساته التي طبقها منذ الثورة الصناعية الأولى، وتمكن من الاتعاظ من الحوادث التاريخية التي تراكمت مع الزمن. ولذلك تولدت فكرة التنمية المستدامة أو التنمية القابلة للاستدامة والاستمرارية دون وقوع ضحايا ملموسة وكبيرة من أي نوعٍ من الأنواع أو في أي قطاعٍ من القطاعات العامة. فأكد الإنسان على أن التنمية لا يمكن أن تكون قِطاعية أو في مجال واحدٍ فقط، وإنما يجب أن تكون التنمية شاملة ومتكاملة، بحيث أنها تُنمي في كافة القطاعات إلى حدٍ سواء، دون أن تطغى التنمية في قطاع على حساب القطاعات الأخرى، وهي تنمية متوازنة ومعتدلة وتنمية متميزة بالوسطية، تعطي كل قطاع حقه من النمو دون اعتداء أحدهما على حرمات الثاني.

وبهذه السياسة الجديدة والنظرة الشاملة استطاع الإنسان أن يجمع بين الأفكار والآراء المطروحة، وتمكن من أن يبلور سياسة تُرضي جميع القطاعات، وتحقق كافة الاحتياجات البشرية. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق