الجمعة، 3 فبراير 2012

تحذير للجنة الأولمبية البريطانية


“الرياضيون في خطر”، هكذا صرح بشكل شفافية ووضوح أحد العلماء البريطانيين البارزين، والمتحدث الرسمي باسم جمعية الرئة البريطانية(British Lung Association) في 16 يناير 2012.

فقد أكدت هذه الجمعية الطبية المتخصصة أن الوضع الحالي المتدهور لنوعية الهواء الجوي في لندن لو استمر حتى افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في أغسطس 2012 فإنه حتماً سينعكس سلباً على صحة اللاعبين، ويسبب لهم آلاماً في الصدر والتهابات في الجهاز التنفسي، وبالتالي سيؤثر على قُدراتهم وأدائهم أثناء المسابقات الرياضية ويمنعهم من تحقيق انجازات تاريخية تتمثل في تحطيم الأرقام الرياضية الأولمبية السابقة.

وهذه المردودات الصحية الخطرة ستظهر بشكلٍ مشهود وملموس على أداء المتسابقين في أنواع الرياضات التي تحتاج إلى نفسٍ عميق ومتواصل ولفترة زمنية طويلة، كالعدائيين في سباقات الجري للمسافات الطويلة والتي تُجرى عادة خارج الملعب الأولمبي وفي الشوارع العامة للمدينة، أو الرياضيين في سباقات الدراجات. 

والجدير بالذكر أن هذا التحذير الصريح ليس هو الأول من نوعه، فقد جاءت تحذيرات سابقة من رجال السياسة البريطانيين في مجلس العموم، ونُشرت العديد من الدراسات والتقارير العلمية التي تشخص الوضع السيء لنوعية الهواء في لندن مقارنة بالمدن الأوروبية الأخرى.

كما جاءت تحذيرات قوية وشديدة اللهجة من الاتحاد الأوروبي، وتمثلت في فرض غرامة مالية قدرها  300 مليون جنيه، أي قرابة 186 مليون دينار، لارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة التي قطرها أقل من 10 ميكرون في الهواء، علماً بأن المواصفات الأوروبية للمعدل السنوي لتركيز الجسيمات الدقيقة في الهواء الجوي هي 40 ميكروجراماً للمتر المكعب، ولندن تجاوزت هذه الحدود والمعايير مراتٍ كثيرة ولعدة سنوات متتالية.

وهذه الحالة التي تعاني منها لندن قبيل افتتاح الألعاب الأولمبية ليست جديدة في تاريخنا المعاصر،  فقد مرَّت بها دول أخرى من قبل استضافت هذه الدورة الرياضية، مثل مدينة لوس انجلوس الأمريكية عام 1984، ومدينة بكين الصينية عام 2008.

أما مدينة لوس أنجلوس فهي تعاني منذ الأربعينات من القرن المنصرم وحتى الآن من ظهور سحب صفراء بنية اللون يُطلق عليها بالضباب الضوئي الكيميائي، وهذه السحب عندما تنكشف في السماء، تُنذر وسائل الإعلام كافة المواطنين، وبخاصة الأطفال وكبار السن والذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسي والقلب، من الخروج من منازلهم، وتنبه الناس من ممارسة أي نشاط خارجي، فهذه السحب تحتوي على مجموعة خطرة من السموم التي تؤثر على الصحة، وعادة ما تظهر عندما تزيد نسبة الملوثات في الهواء الجوي وتكون الظروف المناخية مناسبة فتؤدي إلى تراكم هذه الملوثات وتمنع انتشارها وتخفيفها في الهواء الجوي.

ولذلك كان لا بد من مواجهة هذا التحدي البيئي لإنجاح الألعاب الأولمبية وطرح الحلول المستدامة للتخلص من هذه السموم في الهواء، وتمثل ذلك في تبني عدة حلول منها زرع مليون شجرة في منطقة القرية الأولمبية لامتصاص وترشيح الملوثات من الهواء الجوي قبل أن يتعرض لها الرياضي أثناء السباق.

ومدينة بكين أيضاً كانت تعيش تحت وطأة الظاهرة نفسها، فجاء الحل في منع مصادر تلوث الهواء الجوي، وبخاصة السيارات والمصانع، حيث اتخذت الصين إجراءات صارمة لخفض نسبة الملوثات في الهواء، تمثلت في منع مليون سيارة من الحركة أثناء العاب الأولمبية، كما أغلقت بعض المصانع الملوثة للهواء الجوي.   

والآن يأتي دور لندن لمواجهة تلوث الهواء ومكافحة هذه الظاهرة البيئية الصحية السامة، وعليها أن تتخذ فوراً خطوات فاعلة وجذرية لخفض تركيز الملوثات التي ضربت أطنابها في أعماق بيئة لندن منذ بدء الثورة الصناعية الأولى، وإذا لم تقم بتنفيذ إجراءات حاسمة لتحسين نوعية الهواء، وتوفير جوٍ صحي للمتسابقين، فإن هذه الدورة للألعاب الأولمبية لن يكتب لها النجاح، وستضيع هباءً في صفحات التاريخ الرياضي.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق