الجمعة، 10 فبراير 2012

تغيير المصطلحات لتتوافق مع السياسات


أصبحنا اليوم في عصر التلاعب بالألفاظ والمصطلحات وتطويعها لتتناسب مع أهوائنا وسياساتنا، ونسمي هذا عُرفاً بالدبلوماسية، وأنا أُطلق عليه بعلم فَنْ الكذب والنفاق، وعدم الشفافية والصراحة، وقلة الشجاعة في مواجهة الواقع وقول الحق.

وهذه المناورات الكلامية، والتلاعب في استخدام المصطلحات يمارس الآن في جميع مناحي الحياة وفي كافة المجالات، بما في ذلك المجال البيئي، وبخاصة في القضية الدولية المعقدة والمتشابكة وهي قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

فمنذ أن دخلت قضية التغير المناخي في اجتماع القمة في مدينة ري ديو جانيرو عام 1992، والعالم يدور في فَلَكِها، ويحوم حولها بين مدٍ وجزر، وبين إجماعٍ وانقسام. فقد وصل اهتمام العالم بالقضية ذروته في مدينة كيوتو اليابانية في عام 1997 عندما أجمعت دول العالم الصناعية على بروتوكول كيوتو، والتزمت بخفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المتهمة برفع درجة حرارة الأرض.

وبعد كيوتو بدأ الانحسار تدريجياً في الاهتمام بقضية التغير المناخي وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من البروتوكول، حيث ولجت القضية في مرحلة الركود والكساد المستمرين، وتفاقم هذا الوضع وتدهور الاهتمام كلياً بالتغير المناخي عندما دخل العالم في ظلمات الكساد الاقتصادي، بدءاً من عام 2008.

وهنا اتضح النفاق البيئي جلياً عند كافة دول العالم، وبخاصة عند الدول الصناعية، وبدأت مرحلة التلاعب بالألفاظ والمصطلحات لتتهرب من التزاماتها ومسئولياتها تجاه الكرة الأرضية وارتفاع حرارتها، وتأكد لي شخصياً موقع البيئة وقضاياها في جدول الأعمال الفعلي للدول المتقدمة، حيث يأتي الاقتصاد وخلق الوظائف دائماً في المرتبة الأولى من الاهتمام والرعاية.

فالولايات المتحدة ضربت أروع مثالٍ على هذه الحقيقة، بدءاً بالرئيس بوش الذي أعفى أمريكا من أي التزام ومسئولية أخلاقية لخفض نسبة الملوثات، وخَرَجَ من الإجماع الدولي برفضه المصادقة على بروتوكول كيوتو، ثم بدأ حملة ممنهجة في التلاعب بالمصطلحات الخاصة بقضية التغير المناخي لتبرير هذه السياسة.  

فقد ألغت إدارة بوش تدريجياً استخدام مصطلح “سخونة الأرض” الذي يعترف ضمنياً بارتفاع درجة حرارة الأرض ودور الإنسان في حدوث هذا الارتفاع، واستبدلته بمصطلح “التغير المناخي” الذي يعتبر أكثر عمومية ولا يشير إلى متهمٍ بعينه، أو إلى حالة محددة كارتفاع درجة حرارة الأرض، ولذلك فهو أكثر قبولاً من رجال السياسة.

واليوم جاء أوباما ليلغي مصطلح “التغير المناخي” ومصطلح “سخونة الأرض” من القاموس السياسي ومن التداول في استخدامه في البيت الأبيض ومن قِبَلِ رجال السلطة التنفيذية. فقد نشرت جامعة براون الأمريكية مؤخراً دراسة تحليلية حول استخدام إدارة أوباما لهذين المصطلحين في التصريحات والخطابات الرسمية. ففي عام 2010 ذكر أوباما مصطلح “التغير المناخي” في خطاب حالة الاتحاد مرتين فقط، في حين أنه تجاهل الإشارة إليه كلياً في 2011، وفي 24 يناير من العام الجاري أشار باستحياء إلى هذا المصطلح مرة واحدة فقط واستبدله بكلمة “الطاقة” و مصطلح “الطاقة النظيفة”، وهما مصطلحان عامان لا يسببان أية خلافات بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. فهذان المصطلحان أقل وطئاً على أسماع الجمهوريين الذين يعانون من حساسية مفرطة من قضية التغير المناخي وسخونة الأرض، وبالتالي يستطيع أوباما عند التلاعب في المصطلحات كسب بعض أصوات الجمهوريين في الكونجرس وتمرير سياساته وقوانينه المتعلقة بأمن الطاقة.

والمشكلة أن هذا النفاق البيئي والتلاعب في المصطلحات البيئية لا يخص أمريكا فحسب، وإنما تصل عدواه إلى الدول الأخرى، وبخاصة منظمات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام.

فهل سيختفي مصطلح “التغير المناخي” ومصطلح “سخونة الأرض” من القاموس البيئي، كما بدأ يختفي تدريجياً من القاموس السياسي؟     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق