الثلاثاء، 15 يناير 2013

البعد المَنْسي من قضية الأدوية




 كثر الحديث في الأيام القليلة الماضية عن الأدوية المغشوشة، أو الأدوية المزيفة والمقلدة غير الأصلية، وهذه قضية مهمة جداً لأنها مرتبطة بصحة الإنسان وسلامته وتحتاج منا إلى مراقبةٍ شديدة، ومتابعة دقيقة للتأكد من أن الأدوية التي نستعملها أصلية وتساعدنا على العلاج من الأمراض والعلل، لا أن تكون هي السبب في أمراضنا وأسقامنا.

ولكن في المقابل هناك موضوعاً آخر لا يقل أهمية عن نوعية وجودة الأدوية التي نستعملها، وقد تم تجاهله أو غض الطرف عنه كلياً، وهو متعلق بشكلٍ مباشر بقضية الأدوية، ألا وهو كيفية التعامل مع الأدوية الزائدة، أو الأدوية غير المستعملة، وأسلوب إدارتها والتخلص منها.

فكلٌ منا لديه في المنزل الكثير من الأدوية التي لم يستخدمها كلها، أو الأدوية التي لا نحتاج إليها، كما أن الصيدليات بها أيضاً أدوية قد انتهيت صلاحيتها ولن تتمكن من بيعها، إضافة إلى المستشفيات والمراكز الصحية التي تعج بالأدوية، وربما البعض منها أصبح غير صالحٍ للاستهلاك والاستعمال، وجميع هذه الأدوية نلقيها أخيراً في حاويات القمامة، أو في المجاري دون أن نفكر بتاتاً في مصيرها النهائي ومكان استقرارها في نهاية المطاف، وهي عادة تصل إلينا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وبعد رحلة طويلة تعبر من خلالها الأوساط البيئية المختلفة فتدخل في السلسلة الغذائية للإنسان. 

وفي السنوات الماضية كشفت الدراسات الميدانية عن العديد من الحقائق الخطرة التي تهدد صحة الإنسان والكائنات الحية التي تعيش معنا بسبب سوء إدارة الأدوية التالفة أو التي انتهت صلاحيتها، والتي عادةً ما يتم التخلص منها بطرق عشوائية وغير مستدامة من الناحيتين البيئية والصحية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك بحث نُشر مؤخراً في بريطانيا حول التغير في نوعية وصحة الأسماك مع الزمن، حيث أكد أن هناك تغيراً مشهوداً قد وقع على جنس بعض الأسماك، كما أشار البحث إلى وجود أسماكٍ من الذكور ولكنها تحتوي على أعضاء أنثوية، فقد كشفت الدراسة أن 86% من الأسماك الذكور التي تم تحليلها من 51 موقعاً في بريطانيا بها خصائص أنثوية، وتم تصنيفها كمتعددة الجنس(intersex، فبها أعضاء تصنفها كذكر وأعضاء تصنفها كأنثى، ويُعزى السبب إلى انكشاف مثل هذه الظاهرة الغريبة والحديثة إلى وجود بعض الملوثات في الأوساط البيئية المختلفة التي تعمل على إعاقة عمل الهرمونات الطبيعية في الجسم، أو تحاكي وتقلد وظيفتها وعملها، وتُعرف الآن بالمواد الكيميائية التي تعيق وظيفة النظام الهرموني في جسم الكائن الحي(endocrine-disrupting chemicals).

وهناك أدوية يستعملها الإنسان في حياته اليومية، تحتوي على مواد كيميائية تؤدي هذا الدور المضر بصحة الإنسان والحياة الفطرية، مثل أدوية منع الحمل(contraceptive pill). فهذا الدواء يحتوي على مركبٍ كيميائي هو إثينيل أوستراديول( ethynyl oestradiol (EE2)، وهذا المركب يُشبه في تركيبه إلى حدٍ كبير الهرمونات الطبيعية الموجودة في جسم الإنسان، ولذلك عندما ينتقل إلى الجسم عن طريق مياه الشرب الملوثة، يُعرقل أو يحاكي عمل الهرمونات الطبيعية، فيسبب اضطرابات وخللاً في وظيفة الهرمونات الطبيعية وينتج عنها مشكلات صحية غريبة لم يعرفها الإنسان من قبل، مثل أمراض السرطان، وولادة الأجنة المشوهة والمعوقة جسدياً وخَلْقياً.

ونتيجة لوجود الآلاف من الأدوية التي تحتوي على ملوثات تهدد النظام الهرموني في الإنسان وانعكاسها علينا كمشكلاتٍ صحيةٍ مزمنةٍ ومستعصيةٍ على العلاج، فقد قامت الكثير من الدول بوضعِ قوانين وإرشادات تُنظم عملية التخلص النهائي من الأدوية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في إدارة الغذاء والدواء، حيث قامت بالتعاون مع مكتب البيت الأبيض حول السياسات الوطنية للتحكم في الدواء بتقديم إرشاداتٍ اتحادية للناس حول الأسلوب السليم للتخلص من الأدوية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1.      إتباع الإرشادات الموجودة في علبة الدواء حول التخلص منه.
2.      تجنب التخلص من الدواء في المجاري.
3.      المشاركة في برنامج إعادة الأدوية الموجود في المدن.
4.      في حالة عدم وجود إرشادات للتخلص من الدواء، فقم برميه في سلة القمامة.

وخلاصة، علينا أن نهتم بقضية الإدارة السليمة للأدوية من حيث التخلص الآمن والصحي منها، كما أننا الآن نهتم بقضية الأدوية المزيفة وغير الأصلية، فكلتاهما شر ومصيبة كارثية تنزل علينا وعلى الكائنات الحية التي تعيش معنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق