الجمعة، 4 يناير 2013

ما السبب وراء ارتفاع السرطان في البحرين؟


أفادت التقارير الصحية على المستويين الوطني والدولي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السرطان، وإنني في الحقيقة لا أستغرب من هذه الحقيقة فنحن نعيش الآن في واقعٍ مخيفٍ جداً، إذ نعيش في بحرٍ لجُي مظلم متلاطم الأمواج تتعمق فيه الملوثات، وتتجذر في بطنه الآلاف من المواد المسرطنة التي ضربت أطنابها في كافة مكونات البيئة الحية وغير الحية، حتى وصلت إلى أجسادنا وتراكمت في أعضائنا، فتداعى لها سائر الجسد بالسهر والحُمى.

فالملوثات التي تُسبب لنا السرطان تحيط بنا من كل جانب، فهي واقعياً من أمامنا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، فليس هناك بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَر إلا ودخله التلوث المسرطن، وليس هناك شبراً من البيئة، بعيداً كان أم قريباً، في المدينة كان أم في الأرياف، إلا وقد أصابه داء التلوث، بحيث أصبحنا اليوم لا نستطيع أن نُجنب أنفسنا التعرض لها، ولو هربنا إلى بروجٍ مشيدة في أعالي السماء.

فعشرات الآلاف من السيارات التي تحوم في مدننا وقُرانا، وكأنها مصانع صغيرة متحركة، تنفث علينا ليلاً ونهاراً طوال اليوم الآلاف من الملوثات الخطرة التي تهدد صحتنا، والبعض منها يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، مثل مركب البنزين الذي يسبب سرطان الدم، ومركب البنزوبيرين الذي يسبب أنواعاً أخرى من السرطان، إضافة إلى الدخان والجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر والتي تحمل على سطحها وبداخلها مئات الملوثات ومنها ما يسبب السرطان. ولذلك هناك دراسات ميدانية كثيرة أجمعت نتائجها على أن عوادم السيارات تسبب السرطان للإنسان.

والتدخين سواء أكان من السجائر أو من الشيشة ينبعث منه أكثر من 4000 مادة ملوثة للهواء الجوي، منها 81 مركباً معروفاً بأنه يسبب السرطان للإنسان، مثل الأسيتلدهيد، والزرنيخ، والبنزين، وبنزوبيرين، والكادميوم، ونترات البنزين، وكلوريد الفينل، وعنصر البولونيوم المشع، وهذا “الكوكتيل” القاتل من الملوثات نتعرض له بشكلٍ يومي سواء أكنا من المدخنين أم غير المدخنين.

كذلك عندما نحرق البخور والعود في منازلنا ومكاتبنا ومتاجرنا ومساجدنا، فإن نُعَرض أجسامنا لخليطٍ معقدٍ من الملوثات، لا يختلف كثيراً عن الملوثات التي تنطلق عند التدخين، فمنها أيضاً ملوثات تؤدي إلى الإصابة بالسرطان كمركب الفورمالدهيد، والبنزين، والأسيتلدهيد.

ومن جانب آخر، فإننا لا نسلم من شر التعرض للمسرطنات حتى في المياه التي نشربها. فالمياه التي ننتجها في محطات التحلية يضاف إليها عنصر الكلور للتعقيم والتخلص من الجراثيم والميكروبات، وهذا قد يتفاعل مع مركبات عضوية موجودة طبيعياً في المياه، فتتحول إلى مجموعة من الملوثات العضوية التي بها عنصر الكلور، وبعضها يسبب السرطان للإنسان. كما أن المياه الجوفية العذبة الطبيعية تكون في بعض الأحيان مشعة عندما تكون تحت طبقات جوفية بها صخور وتربة مشعة مثل اليورانيوم والثوريم، فتنبعث منها مواد مشعة مسرطنة مثل الراديوم والرادن تنتقل إلى هذه المياه التي نستخدمها للشرب.

كذلك الأكل المشوي على الفحم الذي يعتبر صحياً  أفضل من المقلي لعدم احتوائه على الدهون، تبقى فيه مشكلة المسرطنات التي تنتج من عملية الشواي بالفحم أو غيره. فالبروتينات عندما تسخن أو تطبخ في درجة حرارة عالية تنتج عنها مركبات أمينية أروماتيكية(heterocyclic amines)، كما إنه عندما تنزل قطع اللحم المطبوخ على الفحم أو الغاز الطبيعي أو أي سطحٍ حار، تنتج عنه مركبات مسرطنة مثل المركبات العضوية متعددة الحلقات(polycyclic aromatic hydrocarbons) التي تدخل في اللحم.

وأضف إلى ما سبق الآلاف من المنتجات التي نستخدمها يومياً ونتعرض فيها للمواد المسرطنة، مثل المواد الغذائية المعلبة التي بها مضافات وألوان، وعملية التانينج وهي التعرض للأشعة البنفسجية المسرطنة لتغيير لون الجلد، وبعض مستحضرات التجميل، وبعض ألعاب الأطفال البلاستيكية، وحشو الأسنان المصنوع من الزئبق، والإشعاع الصادر من الكوارث كحادثة تشرنوبيل في 1986 وكارثة فوكاشيما في اليابان عام 2011، كذلك فإن الدراسات الغربية تؤكد بأن شرب الخمر يزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان الرئة، والثدي، والقولون، والبنكرياس، والكبد، والحنجرة، والفم، وأن الشرب حتى بشكلٍ معتدل يصيب الإنسان بهذا الداء المستعصي على العلاج.

ولذلك بعد كل هذه المصادر للتلوث والمواد المسرطنة التي نتعرض لها كل يوم، وذَكرتُ القليل منها، لا بد وأن نتوقع بارتفاع أعداد المصابين بالسرطان.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق