الأحد، 16 يونيو 2013

الأسماك مصابة بالقلق والإكتئاب



هل رأيتُمْ أو شاهدتم سمكةً تسبح في مياه البحر أو النهر وحيدة منعزلة لا أحد معها وهي ناكسةَ الرأسِ حزينةً تشعر بالضيق والأسى، وكأنها قد بلغت من الكِبَر عِتياً واشتعل رأسها شيباً وأكل شبابها مرض الاكتئاب والقلق؟

لا أدري فعلياً ما إذا كانت هذه الحالة التي وصفتها لكم، وهي عادةً تصيب الإنسان بسبب الأمراض النفسية والعقلية، موجودة أيضاً في عالم الأسماك، ولكن المشاهدات الميدانية لعالم الأسماك من جهة، ودخول خليطٍ معقدٍ من المواد الكيميائية والملوثات الغازية والسائلة والصلبة من جهةٍ أخرى إلى المسطحات المائية من بحارٍ وأنهارٍ وبحيرات قد تنذر بوقوعِ الحالات والأعراض المرضية التي يُصاب بها البشر، سواء أكانت أمراض عضوية جسدية، أو أمراض نفسية عقلية وسلوكية.

وقد بدأ العلماء في السنوات الماضية في الاهتمام بهذا المجال البحثي المتعلق بتأثير الملوثات على الجانب النفسي والسلوكي للأسماك، وبخاصة من ناحية مصير مخلفات الأدوية التي يصرفها الإنسان في مياه الصرف الصحي ومياه المجاري، أو التي يلقيها في القمامة المنزلية، واحتمال وصول هذه الأدوية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى الثروة السمكية التي يتغذى عليها الإنسان.

ففي دراسة أُجريت في جامعة أوما(Umeå) السويدية ونُشرت في مجلة ”العِلْم“ في العدد 15 فبراير 2013، تحت عنوان: ”تراكيز مُخَففة من أدوية علاج الأمراض النفسية تُغير سلوكيات الأسماك“، قد أفادت باكتشاف بعض الأدوية التي يستخدمها الإنسان لعلاج الحالات المرضية النفسية كالقلق والاكتئاب، مثل أوجزابام(oxazepam) والفاليم(Valium) في أجسام الأسماك النهرية، مثل سمك البيرش(perch)الذي يعيش في أنهار أوروبا، وأكدت هذه الدراسة على أن وجود أدوية القلق والاكتئاب والأرق في أجسام هذه الأسماك أدى إلى تغير سلوكها وتصرفاتها حيث أصبحت أكثر نشاطاً، وأقل خوفاً، وبدأت تأكل أكثر، وتغامر أكثر، إضافة إلى تأثيراتها المباشرة على نموها وتكاثرها وتدهور نوعيتها كغذاء للإنسان.

وقد انتقلت هذه الأدوية النفسية البشرية إلى جسم الأسماك من خلال صرف الإنسان للأدوية إلى المجاري، والتي بدورها تنتقل إلى محطات معالجة مياه المجاري، ثم إلى الأنهار والحياة الفطرية التي تعيش فيها، وأخيراً إلى الإنسان عن طريق مياه الري الزراعي أو مياه الشرب، وقد أكدت دراسة منشورة في مجلة علوم البيئة والتقنية(Environmental Science & Technology) في العدد المنشور في أبريل 2013 عن وجود دواء القلق والاكتئاب ”أوجزابام“ في مياه نهر فايرس(Fyris) في السويد بتركيز بلغ 0.58 ميكروجرام من الدواء في اللتر من ماء النهر، إضافة إلى اكتشاف 21 نوعاً آخر من الأدوية التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية. 

فهذه الدراسات والأبحاث الميدانية تلفت عنايتنا إلى قضيةٍ كبيرة وخطيرة تُهدد الأمن الصحي للإنسان، وهي كيفية التعامل مع الأدوية التي انتهت صلاحيتها، أو التي لا نحتاج إليها، ولذلك فإن أهمية هذه القضية تكمن في أنها تمس صحة الإنسان وسلامته والكائنات الحية التي تعيش معنا ونعتمد عليها في غذائنا واستدامة حياتنا على وجه الأرض، فكل ما نُلقيه بأيدينا في أحد مكونات البيئة بطريقة غير سليمة صحياً وبيئياً، يَرجع إلينا بعد فترة قصيرة أو طويلة من الزمن وبشكلٍ مباشر أو غير مباشر فيؤثر علينا ويدمر صحتنا.

ونظراً لأهمية هذه القضية وانعكاساتها على صحة هذا الجيل البشري والأجيال اللاحقة، نجد أن الاتحاد الأوروبي يحاول منذ فترة من الزمن وضع تشريعي أوروبي محوره قضية الأدوية وكيفية إدارتها والتعامل معها ومنع وصولها إلى المياه السطحية والمياه الجوفية التي يستخدمها الإنسان للأغراض المنزلية، ولكن صعوبة مثل هذه التشريعات لا تتمثل في صياغتها وسنها، ولكن الصعوبة تكمن في تنفيذها والعمل بها في أرض الواقع، فهي مُكلفة جداً لأنها تحتاج إلى أموالٍ طائلة وتقنيات متطورة لمعالجة وتصفية مياه المجاري من هذه الأدوية، بحيث إن المياه التي تَخرج في نهاية المطاف من محطات المعالجة تكون خالية من هذه الأدوية، وبالتالي يمكن صرفها إلى المسطحات المائية.

وحتى تُسن القوانين، ويَحين موعد تنفذها، علينا تحمل العبء الصحي الخطير الناجم عن سوء إدارة الأدوية، سواء على الإنسان أو الأسماك.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق