الجمعة، 7 يونيو 2013

الصين تزدهر، ولكن الكفاءات تهرب



الصين في ورطةٍ كبيرةٍ ومُـحرجةٍ في الوقت نفسه، فالصين لا ينقصها حالياً النمو الاقتصادي والازدهار المالي، ولكن ما تعاني منه فعلياً، وبدا واضحاً الآن هو من شقين. الأول هو الحفاظ على الكفاءات العالية والخبرات الطويلة من رجال الأعمال والتنفيذيين من الأجانب والصينيين، والشق الثاني فهو استقطاب دماءٍ جديدة وخبرات فنية متطورة للعمل في بكين، أو المدن الصينية الكبيرة المعروفة.

وهناك عدة أسباب تقف وراء بروز هذه المعاناة والظاهرة المستجدة، من أهمها الوضع البيئي السيئ في المدن الصينية، وعلى رأسها العاصمة بكين وشنجهاي، وبخاصة من ناحية تدهور الهواء الجوي وفساده، واحتوائه على الملوثات القاتلة والمسببة للأمراض المزمنة. وقد انكشف هذا بوضوح أثناء الأشهر الأولى من هذه السنة الجارية، حيث تشبع الهواء الجوي بالضباب الكيميائي لأشهر طويلة، مما أدى إلى ارتفاع معدل الموتى خلال تلك الفترة، وازديادٍ ملحوظ في أعداد المرضى المصابين بضيق التنفس ومشكلات في القلب، إضافة إلى توقفِ المطارات والحافلات والسيارات من العمل، وتحذير الناس وبخاصة الأطفال وكبار السن من الخروج من منازلهم، كما أن الكثير من الشركات توقفت عن العمل، فحدث شلل جزئي في الحياة في هذه المدن.

فهذا الوضع البيئي الخطير المــُهدد لصحة الناس، كان تأثيره بمثابة انفجارِ قنبلةٍ هددت حياة الناس، ولكنها في الصين كانت قنبلة بيئية انفجرت بقوة، فأحدثتْ الخوف والفزع في قلوب الناس من الصينيين والأجانب إلى حدٍ سواء، وأجبرتهم كلهم إلى ترك هذه المدن غير الآمنة وغير المستقرة بيئياً، والذهاب إما إلى خارج الصين أو إلى مدنٍ نظيفةٍ وصحيةٍ بيئياً داخل الصين.

وهناك الكثير من التقارير والمقالات التي تؤكد صدق هذه الظاهرة، وسأقدم لكم البعض من هذه المقالات على سبيل المثال لا الحصر. منها المقال المكتوب في جريدة اليابان تايمس في 5 مايو تحت عنوان:”تلوث الهواء في الصين يخوف الأجانب التنفيذيين“، ويَحْكي هذا المقال قصة مديرٍ لأحد منتجي السيارات المعروفة، أصابه المرض العضال عدة مرات، فنصحه طبيبه بترك المدينة حفاظاً على صحته، فقام على الفور بحَزْم حقائبه وطار خارج المدينة، كما يؤكد المقال نقلاً عن شركات التوظيف بأنه أصبح من الصعب الآن جذب الكفاءات العالية، كذلك أشار إلى تصريحات غرفة تجارة أوروبا حول هذه الظاهرة والتي جاء فيها أن الأجانب يتركون الصين لعدة أسباب، والعامل المشترك بينهم هو تلوث الهواء.

ونشرت الصحيفة المعروفة كرسشن سينس مونيتر تحقيقاً مطولاً تحت عنوان: بكين تزدهر، ولكن الكفاءات تهرب بسبب الهواء الملوث“ في24 أبريل 2013، إضافة إلى المقال في جريدة وال ستريت جورنل في 12 أبريل تحت عنوان: لماذا تركت العمل في بكين؟ لأشم الهواء، حيث يتحدث عن المدير التنفيذي المحلي لشركة بي إم دبليو الذي أفاد بأن العديد من الأجانب الذين تقدموا للعمل في بكين قد سحبوا أوراقهم، كما يؤكد المقال على أنها ليست الشركة الوحيدة، حيث إن غرفة تجارة أوروبا في الصين صرحت بأن تلوث الهواء هو التحدي الرئيس الذي تواجهه الشركات في الصين، وهو السبب الأساس وراء ترك الأجانب لوظائفهم، وعزوف الآخرين من قبول العمل.

وتجاوباً مع هذا التهديد الخطير لاقتصاد الصين فقد تعهد الرئيس الصيني كسي جينبينج(Xi Jinping) في 25 مايو قائلاً بأنه لن يسعى نحو تحقيق نموٍ اقتصادي مؤقت على حساب تدهور البيئة، وأضاف قائلاً بأن الذين أخذوا قرارات متعجلة أدت إلى انعكاسات خطرة على البيئة سيحاسبون على ذلك“.

ولذلك فإنني أُحذر وأُنبه كما حذَّرتُ من قبل إلى هذه الظاهرة التي انكشفت في الصين، والتي تؤكد على أن جذب الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال وتشجيع الناس على العمل في البحرين لا يحتاج فقط إلى المحفزات التقليدية المعروفة من تخفيض الضرائب والدعم للأجهزة والمعدات وتوفير البنية التحتية المناسبة والخدمات الرئيسة والاستقرار الأمني، وإنما بحاجةٍ قويةٍ أيضاً إلى استتاب الأمن البيئي للبلاد من وجود هواءٍ صحي، وماءٍ سليم للشرب، وبحرٍ صافي اللون، وبيئات خضراء جميلة، فالبيئة الآمنة والمستقرة أصبحت الآن من العملات الصعبة النادرة التي يصعب الحصول عليها، وهي التي يبحث عنها رجال الأعمال والتنفيذيين، وهي التي تسهم في تشجيع الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام والازدهار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق