الأحد، 9 يونيو 2013

صراعات حتمية على المياه من واقع الأزمة المصرية الأثيوبية


 

نسمع هذه الأيام طبول الحرب، أو طبول أزمة مائية حادة بدأت تدق وتنكشف بوضوح بين مصر والسودان من جهة، وأثيوبيا من جهة أخرى، بسبب شروع أثيوبيا على بناء سدِ النهضة الذي يُعد أكبر سدٍ في أفريقيا،والذي ترتب عليه تغيير مجرى نهر النيل الأزرق وحجز أحجامٍ كبيرةٍ من الماء، مما يؤثر بشكلٍ مباشر على كمية المياه التي تصل في نهاية المطاف إلى مصر.

 

فهذه الحالة التي نشهدها اليوم بين مصر وأثيوبيا والتوتر الشديد بين البلدين هي مثال واحد فقط من بين أمثلة كثيرة تؤكد على أن الموارد المائية قد تكون سبباً في إشعال الأزمات بين الدول، وقد تؤدي إلى نشوب الحروب بينها، إذا لم تصل الأطراف إلى حلٍ يرضيهم ويبعدهم عن شبح الحرب.

 

ولطالما حَذَّرتُ في السنوات الماضية على أن الثروة المائية بشتى أنواعها المالحة والعذبة ومصادر المياه المشتركة بين الدول والواقعة على الحدود الجغرافية سواء أكانت سطحية أم جوفية قد تكون سبباً لإشعال الحروب الباردة أو الساخنة بين هذه الدول، إذ أن الموارد المائية لا تقل أهمية من الناحية الإستراتيجية عن الثروات الطبيعية الأخرى كالبترول والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة التي أَدْخَلتْ الدول العظمى الاستعمارية في الحروب الشرسة والطاحنة وغزت واحتلت الدول من أجل السيطرة على منابع النفط وتأمين خط إمدادها إلى دولهم، ولو كانت تبعد عنهم آلاف الكيلومترات.

 

وفي تقديري أن الثروة المائية أهم من النفط والموارد الطبيعية الأخرى على المدى القريب والبعيد، فالإنسان يستطيع العيش بدون النفط، كما عشنا من قبل، حتى ولو كانت حياته صعبة وشاقة ومتعبة، وليس فيها وسائل الترفيه والراحة، ولكن في المقابل لا يستطيع الإنسان العيش بدون الماء، والحياة الفطرية التي يعيش عليها الإنسان من أجل استدامة حياته على الأرض لا تنمو ولا تتكاثر ولا تؤتي أكلها للإنسان بدون الماء، والأرض لا تنمو عليها النباتات ولا تعطي ثمارها بدون الماء، والكائنات الدقيقة النافعة التي لا حياة بدونها لا تعيش إلا بالماء، وعلاوة على ذلك فلا تنمية ولا تطور بدون الماء، ولذلك صدق الله العظيم عندما قال:وجعلنا من الماء كل شيء حي، أي باختصار لا حياة لأي كائنٍ حي بدون الماء، فلا غرابة إذن أن تستميت الدول من أجل الماء، ولا غرابة إذن أن تدخل الدول بعضها مع بعض في صراعات وحروب دموية من أجل تأمين الماء.

 

وللتأكيد على أن الموارد المائية المشتركة بين الدول قد تحولت إلى قضية سياسية وأمنية خطيرة قد تُهدد استقرار الدول والمنطقة برمتها وتسبب اندلاع الحروب، أُوَجِه عناية القارئ إلى التقرير الأمريكي تحت عنوان: “الأمن المائي الدولي”( Global Water Security) الذي أعده المجلس القومي للمخابرات(National Intelligence Council) ونشره مكتب إدارة المخابرات القومية(Office of the Director of National Intelligence) في 22 مارس 2012، حيث هدف التقرير إلى دراسة قضية الأمن المائي الدولي وإجراء تقييمٍ شامل لمراكز وبُؤر التوتر المائي بين الدول ومناطق عدم الاستقرار السياسي بسبب الخلافات المائية، كما هدفت الدراسة إلى معرفة مدى إمكانية استخدام الثروة المائية كسلاح مثل استخدام السدود التي تمنع وصول الماء إلى دول أخرى تشترك في الحوض المائي الجوفي أو السطحي.

 

وقد خَلُصَ التقرير إلى الاستنتاج التالي وهو:”في حين أن الحروب حول المياه غير واردة خلال العشر سنوات القادمة، إلا أن التحديات المائية المتمثلة في شُح المياه، وتدهور نوعيتها، إضافة إلى وقوع الفيضانات، ستزيد من مخاطر عدم الاستقرار وسقوط الحكومات والدول، وترفع من درجة التوتر الإقليمي“. وعلاوة على هذا التقرير فإنني أُلفتُ عناية القارئ إلى تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عندما قال في عام 2007:”نُدرة الماء...وقود للحروب والنزاعات“.

 

ولذلك أُنبه إلى ضرورة الاهتمام في البحرين بما تبقى لدينا من موارد مائية عذبة ومالحة من الناحيتين الكمية والنوعية من خلال وضع سياسات مائية واضحة، والعمل على تنفيذها بكل حزمٍ وحسم، حتى نُجنب أنفسنا الوقوع في عدم الاستقرار الأمني والسياسي بسبب نُدرة الماء.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق