السبت، 22 يونيو 2013

لا تنسوا جرائم أمريكا



من النقاط السوداء المظلمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وما أكثر هذه النقاط، هي الفضيحة الصحية البيئية الأخلاقية التي ارتكبتها الأيدي الأمريكية الآثمة في إحدى دول أمريكا اللاتينية، وهي جواتيمالا في الأربعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد في 1946، ولم يتم اكتشافها إلا بعد مرور أكثر من 63 عاماً على وقوعها من قبل باحثة أمريكية تعمل في مجال التاريخ الأمريكي الطبي.

فَلَستُ إذن الذي يحي هذه الفظائع الأمريكية التي قامت بها في حق الإنسانية في الدول المستضعفة والشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها، ولست الوحيد الذي يكتب عن انعكاساتها وسلبياتها على من ارتُكِبَتْ هذه الجرائم في حقهم، وإنما في أغلب الأوقات يأتي كشف هذه الفضائح على أيدي الأمريكيين المخلصين الذين لا يرضون عن ارتكاب حكومتهم لمثل هذه الأعمال المشينة في حق الإنسانية.

فالفضيحة التي قام بها بعض الأطباء الأمريكيين العاملين في وزارة الصحة ليست جديدة، وقد كَتبتُ عنها شخصياً في مقالات سابقة، ولكنَّ وقعها مازال حياً ينبض بالحياة، وكأنها وقعت بالأمس، وتداعياتها مازالت تُذَكِّر الشعب الأمريكي بقسوة حكومتهم والأعمال اللاأخلاقية التي قاموا بها، كما تذكر شعوب العالم بحقيقة أمريكا، وأَنْها من أجل حماية ما يُطلقون عليه بـالأمن القومي ومصلحة أمريكا العليا، فإنها لا تَرقُبُ في أحدٍ إلاً ولا ذمة، حتى ولو كان ذلك الفرد أمريكياً.

فقد أيقظتْ الصحيفة الأمريكية المشهورة كرسشن سينس مونيتر(The Christian Monitor) في 15 يونيو مواجع فضيحة جواتيمالا مرة ثانية عندما كَتَبَتْ مقالاً تحت عنوان:ضحايا مرض الزُهري من جواتيمالا يفقدون الأمل في كسب قضيتهم ضد حكومة أمريكا.

فهذه الفضيحة الأمريكية تتمثل في قيام الباحثين والأطباء الموظفين في وزارة الصحة أو وزارة الخدمات الصحية الأمريكية العامة في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين وبدعمٍ مالي من المعهد الوطني للصحة بإجراء تجارب طبية في غاية السرية والخطورة، وذلك بحقن زهاء 5000 من المواطنين الجواتيماليين من نساء ورجال وأطفال وأيتام بالجراثيم والبكتيريا المسببة للمرض الجنسي المعروف بالزهري أو السِيفلس، وقام هؤلاء الباحثون باستخدام البشر كفئران تجارب بهدف التعرف أكثر على هذه البكتيريا المسببة للمرض، إضافة إلى مشاهدة الأعراض التي يمر بها المريض المصاب بالزهري منذ إصابته بالمرض إلى وفاته، إضافة إلى حقن الضحايا بالمضاد الحيوي المعروف حالياً البنسيلين للتعرف على فاعليته في علاج ومنع المرض، أي بعبارةٍ أخرى أدق كان هؤلاء الذين يُسمون أنفسهم علماء وأطباء يشاهدون أمام أعينهم معاناة هؤلاء البشر كل ساعة، ويراقبون عن كثب آلامهم وأحزانهم، ويسمعون صرخاتهم وآهاتهم دون أن تتحرك ضمائرهم، أو تئن قلوبهم رحمة وشفقة تجاه هؤلاء البشر، أو يلومون أنفسهم على ما يقومون به، وكل ذلك بحجة “البحث العلمي”.

وكانت هذه الحقن الملوثة تُعطَي لهؤلاء الضحايا البشرية رغماً عن أنوفهم، وباستخدام القوة في الكثير من الأحيان، ودون أن يعلموا أي شيء عن أسباب حقنهم وحقيقة هذه الحقن، واستمر ارتكاب هذه الجرائم المنافية لحقوق الإنسان قرابة أربع سنوات، ثم اسدل الستار على هذه الجريمة وختمت بالشمع الأحمر وضاعت الوثائق في أرشيف أمريكا، حتى شاءت الأقدار أن تأتي عالمة أمريكية من بني جلدتهم، وبعد ستة عقود وبالصدفة لتفضح ممارسات بلادها المخالفة للقانون الدولي، وأبسط مبادئ حقوق الإنسان.  

ونظراً لهذا الاكتشاف المذهل والمخجل، اضطرت الحكومة الأمريكية ممثلة في وزيرة الخارجية ووزيرة الصحة والخدمات البشرية إلى الاعتذار، ثم في أكتوبر 2010 اعتذر أوباما مباشرة إلى رئيس جواتيمالا، واكتفت الحكومة بهذا الاعتذار الذي لا يُغني ولا يسمن من جوع بالنسبة للضحايا، والذين بعضهم مازال على قيد الحياة، فالمحاكم الأمريكية قبل أيام رفضت قضية الضحايا، وكأن أمريكا لم ترتكب أي ذنبٍ في حق هؤلاء البشر، وليست لديهم أية مطالب شرعية.

والآن بعد أن فَقَدَ هؤلاء الضحايا العدل والإنصاف والتعويض من الحكومة الأمريكية، يبحثون عن محكمةٍ في دولٍ أخرى لرفع قضيتهم ضد أمريكا، ولكن من يَتَجَرَّأُ على محاكمة أعظم دولة على وجه الأرض؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق