شركةٌ عملاقة مثل فولكس واجن
التي تعتبر من أكبر شركات السيارات في العالم ومبيعاتها بلغت دول الشرق والغرب وكل
شبرٍ من الأرض، وأرباحها تناطح عنان السماء، فلماذا تلجأ هذه الشركة الناجحة
والمهيمنة على سوق السيارات إلى أسلوب التزوير، والتضليل، والغش؟
فهذه الشركات متعددة الجنسيات
ثقافتها المتجذرة في تاريخها المظلم، والمتأصلة في سياساتها وممارساتها المشينة
عبر العقود تتلخص في الربح الكبير والسريع على حساب كل شيء وملء البطون بالحلال
والحرام، وباتخاذ كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية، الأخلاقية وغير الأخلاقية من
غشٍ وخداعٍ وتحايل، وينطبق عليها قول رسولنا الكريم: "لَوْ
أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ، لَتَمَنَّى ثَانَيًا، وَلاَ يَمْلأُ
جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ".
والفضيحة
النكراء التي يقف أمامها المجتمع الدولي اليوم وتُعد في تقديري أكبر حادثة غش بيئي
وصحي في تاريخ البشرية وأُطلق عليها "واترجيت السيارات"، ما هي إلا مثال
واحد من بين أمثلة وحالات كثيرة ذكرتها وشدَّدتُ عليها في مقالات سابقة، فشركة
فولكس واجن ارتكبت في حق البيئة والبشرية ذنباً لا يُغتفر، واقترفت إثماً عظيماً
لا يمكن السكوت عنه وتجاهله، وخانت الأمانة والمسؤولية، وقامت مع سبق الإصرار
والترصد منذ سنوات بغش الإنسانية والتضليل المتعمد للمعلومات والكذب الفاضح على
الناس، حيث باعت ومنذ عام 2009
أكثر من 11
مليون
سيارة مغشوشة على كل دول العالم دون أن يكون لها أدنى إحساس بالذنب، أو أي شعور
بالإثم تجاه حُرمات البيئة التي قامت عمداً بتلويثها والإضرار بمكوناتها، أو صحة
الإنسان التي قامت عمداً بتدميرها وإلحاق الأمراض المزمنة بها.
لقد
ركَّبَتْ هذه الشركة الآثمة على
هذه الملايين من السيارات برنامجاً في الحاسب الآلي للسيارة(software) وأُطلق عليه(defeat device)، وحَوَّرت هذا البرنامج وتلاعبت فيه ليكذب على المستهلك، ويُقدم
معلومات كاذبة ومزورة عن نسبة الملوثات التي تنبعث من عوادم السيارات التي تعمل
بالديزل، بحيث كيَّفت هذا البرنامج ليُقدم أرقاماً وقراءات خاطئة تفيد بأن التلوث
الناجم عن هذه السيارات منخفض جداً ويتوافق مع معايير الانبعاث التي وضعتها دول
العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت بهذا الغش التجاري البيئي
لعدة سنوات وتمكنت من اكتساح سوق السيارات وإقناع الدول على شراء هذه السيارات
الخضراء "الصديقة للبيئة" التي يلهث العالم لشرائها حفاظاً على صحة
البيئة وصيانة لأرواح الناس!
وحققت
بذلك أرباحاً خيالية لفترة وجيزة من الزمن، ولكن علَّمتنا حوادث التاريخ بأنه مهما
طال الزمن وبَعُد، فإن الكذب سينكشف، والخديعة ستظهر، والغش يزول، وستكون النتيجة
النهائية الوبال والخزي والعار على كل من قام بهذه الجرائم، وستكون تداعياتها
وانعكاساتها أكبر وأشد من الأرباح الآنية التي حصلوا عليها، ودعوني أُلخص لكم حتى
كتابة هذه السطور البعض من هذه التداعيات المباشرة لأثبت لكم أن الكذب والغش
والخداع وبال عظيم ونقمة مستدامة على صاحبه.
أولاً:
التداعيات الاقتصادية وتمثلت فوراً وبشكل مباشر في هبوط سعر السهم بنسبة 23%،
وانخفاض القيمة السوقية للشركة، كما انعكست هذه الفضيحة على باقي السيارات
الألمانية، فانخفضت أسعار أسهمها. كذلك فإن هناك غرامات مالية عظيمة تنتظرها في
الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وتُقدر بنحو 18 بليون دولار،
إضافة إلى الغرامات التي ستفرض على الشركة في دول أخرى في الأيام القادمة.
ثانياً:
الانعكاسات القانونية ومنها دعوة أوباما والكونجرس إلى التحقيق في الفضيحة، إضافة
إلى قيام وزارة العدل الأمريكية بفتح قضية "جنائية" ضد الشركة، وستتبعها
في دول أخرى قضايا مماثلة سترفع ضد الشركة، بل وإن بعض الدول استدعت المسئولين عن
الشركة للتحقيق معهم، وأتمنى من البحرين أن تتخذ إجراءات مماثلة لهذه الدول.
ثالثاً:
التداعيات الاجتماعية وتتمثل في تشويه سمعة الشركة وفقدان مصداقيتها وتحطم علامتها
التجارية، وهذه أيضاً تعدت إلى شركات السيارات الألمانية الأخرى فأصبحت الآن
جميعها في قفص الاتهام.
رابعاً:
توقف بيع السيارات في دول العالم واسترجاع السيارات التي تم بيعها من أجل تصليحها
وإعادة تأهيلها.
والأيام
القادمة ستكشف لنا المزيد من هذه التداعيات التي ستقصم ظهرها، فابقوا معي وتابعوني
لأخبركم بالخبر اليقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق