الاثنين، 7 سبتمبر 2015

الملوثات المسموح بها دولياً!



تعودتُ كثيراً أن أسمع عبارات متعلقة بالتلوث لا أُحبذها ولا أتفق مع مضمونها مثل " تركيز الملوثات المسموح به دولياً"، أو عبارة "نسبة التلوث في الهواء أقل من المعايير والمواصفات البيئية".

أما العبارة الأولى فهي تفيد بأن هناك معايير ومواصفات خاصة بتركيز الملوثات في البيئة، وبالتحديد في الهواء الجوي، وأن دول العالم جمعاء اتفقت على هذه المواصفات وأُطلق عليها بـ "المواصفات الدولية"، وهذه عبارة غير دقيقة ولا تعكس الواقع، حيث إن دول العالم لم تُوحِّد معاييرها البيئية، ولم تتفق جميعها على مواصفات بيئية واحدة. فعلى سبيل المثال، المواصفات الخاصة بجودة الهواء الجوي تختلف من دولة إلى أخرى، فمعايير جودة الهواء في اليابان غير الصين وتختلف عن دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بل وإن هذه المعايير تختلف في بعض الأحيان في الدولة الواحدة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك ولايات مثل كاليفورنيا، وبخاصة مدينة لوس أنجلوس، بسبب ظروفها الجغرافية والمناخية والبيئية قد أَقرت مواصفات لنوعية الهواء الجوي خاصة بها.

وربما يُعزى السبب في عدم الاتفاق دولياً على معايير موحدة في أن ظروف الدول الطبيعية مختلفة، ونسبة التلوث في دول العالم متباينة إلى درجةٍ كبيرة، كما أن آلية وضع وإقرار المعايير البيئية لا تخضع للجوانب العلمية والصحية التي يمكن الاجماع عليها دولياً، وإنما تدخل فيها الجوانب الاقتصادية والسياسية والتقنية التي لا يمكن الاتفاق عليها بين دول العالم، فمصالح وامكانات وظروف كل دولة تختلف كثيراً فيما بينها.

أما العبارة الثانية التي تشير إلى وجود نسبٍ آمنةٍ للملوثات يمكن قبولها، وهي النسب التي تكون أقل من المعايير التي وضعها الإنسان، فهي عبارة غير دقيقة ولا تتوافق مع الواقع والتطورات العلمية في مجال تأثير التلوث على صحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى. فقد أثبتت الدراسات العلمية الميدانية أن المعايير البيئية التي وضعتها الدول لا تحمي صحة الإنسان، وأن الملوثات تؤثر علينا حتى ولو كانت بنسبٍ منخفضة جداً أقل بكثير من المعايير والمواصفات.

فعلى سبيل المثال كشفت دراسة عُرضت في الثلاثين من أغسطس من العام الجاري في مؤتمر الجمعية الأوروبية لطب القلب أن الجسيمات الدقيقة وثاني أكسيد النيتروجين في الهواء الجوي، والموجودة بشكلٍ عام بتراكيز أقل من المواصفات الأوروبية الخاصة بجودة الهواء قد زادت من احتمال التعرض للسكتات القلبية وأمراض القلب الأخرى. وتبعاً لهذه الحقيقة نجد أن تركيز الملوثات في المواصفات الخاصة بجودة الهواء غير ثابتة، وإنما تتغير مع الزمن استناداً إلى الحقائق الجديدة التي يكتشفها العلماء حول تأثير هذه الملوثات على الصحة العامة وصحة الكائنات الحية الأخرى.

وخلاصة القول فليست هناك "معايير دولية خاصة بجودة الهواء أو غيرها"، وليست هناك "نسباً مسموح بها للملوثات"، فالملوثات تهدد صحة الإنسان مهما كان تركيزها، ويجب منعها من مصادرها والتخلص منها جذرياً. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق