الخميس، 10 ديسمبر 2015

مخلفات بلاستيكية في أَسْمَاكِنا!



لا تستغرب هذه الأيام إذا تناولتْ سمكة في وجبة الغذاء، أو أية وجبةٍ أخرى ووجَدتَ في بطنها مخلفاتٍ بلاستيكية متنوعة، بل وفي أغلب الأحيان تَكُون قد أكلتَ هذه السمكة وتلذذت وتمتعت بطعمها وأكلت معها ودون أن تدري أو تشعر مخلفات بلاستيكية، وغيرها من المخلفات الصلبة الدقيقة والمجهرية التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.

فهذه الصورة تُعد الآن من مظاهر وإفرازات التنمية الأحادية الجانب التي يسير عليها الإنسان وتنتهجها الأمم المتطورة والمتقدمة والأمم النامية على حدٍ سواء منذ أكثر من قرنين من الزمان وحتى يومنا هذا، فأصبحنا لا نأمن سلامة غذائنا، وصفاء شرابنا، وصحة هوائنا، فكل ما نأكله أو نشربه أو نستنشقه قد دخل في تركيبه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر نوعاً من أنواع الملوثات والمواد الكيميائية الخطرة التي تهدد أمننا الصحي وتعرضنا للإصابة بالأسقام والعلل المزمنة والمستعصية على العلاج، وقد بلغ هذا الوضع الكارثي مداه الأقصى، حتى أن الأسماك والكائنات البحرية في أعماق البحار النائية والبعيدة عن أيدي البشر قد أصابها داء التلوث فتعرضت للسموم البشرية.

وقد أكدت دراسةٌ نُشرت في مجلة "تقارير عليمة" في أكتوبر من العام الجاري على واقعية هذه الظاهرة الحديثة، حيث قامت بالتحليل الميداني للأسماك التي يستهلكها الإنسان ويشتريها من الأسواق المحلية، وشملت هذه التحاليل الأسماك التي تُباع في أسواق إندونيسيا في شرق الكرة الأرضية، وأسواق كاليفورنيا من دول الغرب، وأفادت أن زهاء 25% من هذه الأسماك ملوثة بمخلفات من أنواع وأحجام مختلفة، وفي مقدمتها المخلفات البلاستيكية ومخلفات الأقمشة القطنية والبلاستيكية.

وهناك الآن نوع خطر جديد من البلاستيك يُهدد صحة الإنسان ويعرضه للإصابة بالأمراض المزمنة التي لا يعلم عنها إلا الله سبحانه وتعالى، ويُطلق عليه الميكروبيدز، أو الحَبَات والخَرْزات الدقيقة(microbeads)، وهذه الخَرزات والحبيبات البلاستيكية الصغيرة الحجم التي قد لا نراها بعيوننا تضاف مئات الآلاف منها إلى الملايين من المنتجات الاستهلاكية التي لا نستغني عن استخدامها يومياً، فتدخل في تركيبها الأساسي، كمعجون الأسنان، ومنتجات التجميل والتبرج والزينة، ومنظفات الوجه والجسم، والكريمات بمختلف أنواعها وأشكالها، وهذه المنتجات التي أصبحت ضرورية الآن تدخل في نهاية المطاف مع مياه المجاري ولا تتمكن أجهزة المعالجة من التخلص منها أو معالجتها، فتنفذ منها وتدخل في المسطحات المائية، ومن هناك تنتقل إلى الكائنات الحية النباتية والحيوانية العالقة في الماء، ثم إلى الأسماك الصغيرة والكبيرة فتمكث في بطنها وأحشائها وتتراكم فيها مع الوقت، وأخيراً تدخل هذه المخلفات البلاستيكية المجهرية في أجسامنا دون أن ندري، أو أن نحس بأنها قد دخلت في أبداننا، وذلك حسب الدراسة الميدانية المنشورة في مجلة علم وتقنية البيئة الأمريكية في 15 سبتمبر 2015.

وعلاوة على ذلك، فإن هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة قد تدخل في أعضائنا عن طريق استخدام حَـمَأة مياه المجاري في الزراعة، حيث إن هذه المخلفات يترسب البعض منها أثناء معالجة مياه المجاري، فتتراكم مع الوقت في هذه المخلفات شبه الصلبة، أو الحمأة التي عادةً ما تُستعمل في الزراعة كمواد مخصبة ومحسنة لخواص التربة.

ونظراً لانكشاف خطورة هذه الحبيبات البلاستيكية على صحة الإنسان والحياة الفطرية البرية والبحرية النباتية منها والحيوانية، فقد قامت بعض الدول في اتخاذ الإجراءات الأولية لمنع إضافتها إلى المنتجات الاستهلاكية الضرورية وغير الضرورية للإنسان واستبدالها بمواد طبيعية غير ضارة وقابلة للتحلل عند دخولها في البيئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق