الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

وماذا بعد قمة التغير المناخي في باريس؟


بعد أن انْتهتْ أعمال قمة التغير المناخي التي عُقدت في باريس في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الماضي، وصَفق الحضور والوفود المشاركة من أكثر من 195 دولة بحرارةٍ شديدة، وبهجةٍ كبيرة، وهنئ كل واحد منهم الآخر بتحقيق الفوز المؤزر المبين، حَمَل كل واحدٍ من المشاركين حقيبته وأغراضه وأمتعته الشخصية وغادر قاعة المؤتمر دون أن يلتزم بالتوقيع على أية ورقة، أو أية وثيقة تُقيده في الأقل وتربطه أدبياً بالدفاع عن الاتفاقية التي هَلَّل وكَبَّر من أجلها.

 

فالتحدي العظيم للدول سيبدأ الآن بعد فَض أعمال القمة ووصول الوفود إلى قواعدهم، والأيام والسنون القادمة ستكشف لنا مدى جديتهم ومصداقيتهم لمكافحة انعكاسات التغير المناخي عامة، والتزامهم بتفاهمات باريس خاصة، والتي صَفَقُوا لهم جمعياً، وذرفت الدموع من عيونهم فرحاً وسروراً لما وصفوه "الانجاز التاريخي".

 

فالحرب المناخية، على سبيل المثال، تَستعر في أمريكا منذ أكثر من عشرين عاماً، والمعارك حول التغير المناخي تحتدم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فتارةً يتفوق الديمقراطيون فيسحبون بساط التغير المناخي تجاههم، وتارةً أخرى ينتصر الجمهوريون في احدى هذه المعارك فيهدمون كل ما بناه الديمقراطيون، كما حدث بالفعل في بروتوكول كيوتو لعام 1997، والذي وافقت عليه الحكومة الأمريكية أثناء حُكم بيل كلينتون، ثم جاء جورج بوش ومعه الأغلبية الجمهورية في الكونجرس وامتنع عن التصديق عليه وانسحب كلياً من هذا البروتوكول، فأدى في نهاية المطاف إلى انهياره على المستوى الدولي، وذهب مع الريح كل الجهود المضنية والماراثونية التي بذلتها دول العالم ومنظمات الأمم المتحدة المتعلقة بالتغير المناخي.

 

وها نحن اليوم نشهد معركة مناخية أخرى جديدة على الساحة الأمريكية بين المتنافسين التقليديين والحزبين الوحيدين، فما أن انتهى الرئيس أوباما من خطابه الذي ألقاه في قمة التغير المناخي في باريس حتى بدأ الجمهوريون بالهجوم اللاذع والمباشر على الخطاب، والهجمة الأولى كانت من رئيس حزب الأغلبية في الكونجرس الجمهوري ميش مك كونل(Mitch McConnell) الذي صرح قائلاً: "الرئيس أوباما يُقدم تعهدات لا يستطيع الالتزام بها"، وأضاف بأنه يمكن "تمزيق الاتفاقية خلال 13 شهراً"، أي بعد انتهاء الفترة الرئاسية لأوباما وخروجه من البيت الأبيض، ثم جاءت الضربة الثانية ليست تصريحاً أو قولاً في وسائل الإعلام، وإنما كانت في حَلْبة الكونجرس، حيث وافق الكونجرس على قرارين، وفي تحدٍ فاضح لسياسة أوباما للتغير المناخي، ضد بعض الإجراءات المتعلقة بمواجهة تحديات التغير المناخي التي اتخذتها حكومة أوباما والتي كانت تهدف إلى خفض انبعاث الملوثات من مصادرها حالياً ومستقبلاً، وبالتحديد من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم. ولم يتأخر أوباما في الرد على ضربة الكونجرس فوجه لَكْمة قوية وقاضية إلى قرارات الكونجرس وإلى الجمهوريين بالتحديد واستخدم في 19 ديسمبر من العام الماضي فاستخدم حق الفيتو، أو النقض لمحو هذه القرارات، وقال للكونجرس مبرراً استخدامه للفيتو بأن: "التغير المناخي يُشكل تهديداً عميقاً ولا بد من مواجهته".

 

ولذلك من الواضح من المثال الأمريكي أن التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي للتصدي للتهديدات الناجمة عن التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض أشد الآن، أي بعد الانتهاء من قمة التاريخ المناخي منه أثناء انعقاد القمة نفسها، فالدول اليوم تنتقل من مرحلة الكلام والتصريحات إلى مرحلة العمل، ومن مرحلة التهليل والتصفيق إلى مرحلة التنفيذ، ومن مرحلة رفع الشعارات إلى مرحلة التطبيق ووضع الإجراءات التنفيذية وتخصيص الميزانيات الكبرى، فهذه المرحلة هي الأصعب والأمَّر والأشد وطأة على كاهل الدول، وبخاصة الدول الصناعية والغنية الكبرى. فقد قَدَّرت الوكالة الدولية للطاقة أن كُلفة تنفيذ اتفاقية باريس للتغير المناخي قد تبلغ نحو 16.5 تريليون دولار، وهي المصروفات اللازمة لتنفيذ تعهدات الدول بخفض انبعاثاتها من الغازات والملوثات المتهمة بالتغير المناخي ورفع سخونة الأرض وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذه تتمثل في القيام بعدة إجراءات منها تحويل محطات توليد الكهرباء من استخدام الفحم كوقود إلى مصادر الوقود الأخرى كالغاز الطبيعي، أو الطاقة النووية، أو طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إضافة إلى تقديم الدعم المالي للدول النامية والفقيرة التي تتضرر دائماً من انعكاسات وتداعيات التغير المناخي.

 

والسؤال الذي يَطْرح نفسه هو: كيف تستطيع الدول توفير هذا المبلغ الطائل لتمويل تنفيذ الاتفاقية وهي تعاني من هزات اقتصادية ووضع مالي غير مستقر؟ ومن ناحيةٍ أخرى كيف تستطيع دول العالم أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام لحل قضية التغير المناخي دون موافقة الكونجرس الأمريكي الذي بيده فشل أو نجاح أية اتفاقية دولية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق