الجمعة، 1 يناير 2016

سياسة الغرب: الغاية تبرر الوسيلة



عندما يلج الباحث بعمقٍ واسهاب في أرشيف الدول الغربية ويفتح ملفاتها السرية الغابرة، ووثائقها الحكومية القديمة، والتي يتم فتحها بعد حينٍ من الزمن أمام الملأ وأمام الباحثين، فيتوغل في بحارها الملتهبة، ويسبح مع أمواجها العاتية، سيجد أمراً عجباً، وفضائح لا تغتفر، وممارسات بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم البشرية العامة، وسيقتنع كلياً بأن الدول الغربية الكبرى لا ترقُب في أحدٍ إلا ولا ذمة، حتى على شعوبها وأبناء بلدها، فالنسبة لهم فإن ما يُطلقون عليه "الأمن القومي"، أو المصالح السياسية والاقتصادية العليا فهي فوق كل القيم والأخلاقيات والمبادئ الإنسانية، ومن أجل تحقيق هذه المصلحة العليا يمكن كسر كل الخطوط الحمراء، والقفز فوق كل الحواجز الصماء والعالية، فهذه الغاية والوصول إليها تُبرر كل وسيلة يمكن اتباعها وتَفَي بهذا الغرض.

ومن هذه الكَبائر التي ارتكبتها الدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، واتضحت الآن معالمها، واكتملت تفاصيلها، وبَرَزت وقائعها فوق السطح، هي ما ارتكبتها أيدي أمريكا الآثمة لأكثر من 13 عاماً، وفي الفترة من عام 1946 حتى 1958 في مجموعة جزر المارشال، والمعروفة رسمياً اليوم بجمهورية جزر المارشال(Marshall Islands)، والتي تقع في المحيط الهادئ بين هاواي وأستراليا، ويسكنها أكثر من 7200،ينتشرون على نحو 1156 جزيرة صغيرة.

فأثناء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في منتصف عام 1944، غَزَت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الجزر واحتلتها وحولت أرضها وسماءها وبحارها إلى موقعٍ سريٍ خاص لإجراء كافة أنواع التجارب النووية وأسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها وأحجامها وقوتها. فقد قامت أمريكا بتفجير 67 قنبلة ذرية ومن بينها القنبلة الهيدروجينية التي قُدرت قوتها بأكثر من 7000 مرة من القنبلة النووية التي أُلقيت على هيروشيما في اليابان، فدمرت الحرث والنسل، وأكلت الأخضر واليابس، وتأثيراتها مازالت حاضرة ويُعاني منها الشعب الياباني بعد أكثر من سبعين عاماً، بل وإن تأثيراتها الصحية والبيئية قد حُفرت في الخلايا الوراثية للناس، وتخلدت في أعضاء أجسام بعض سكان هيروشيما، فتنتقل طوال هذه السنوات من جيلٍ إلى آخر. فإذا كانت هذه هي التأثيرات الشديدة الضرر التي تجذرت في أعماق صحة وبيئة اليابان، فكيف سيكون تأثير هذه القنبلة والقنابل الأخرى التي فَجَّرتها أمريكا على المواطنين في جزر المارشال وكافة الدول المحيطة بها، وعلى الكرة الأرضية برمتها؟

لقد استمرت هذه التجارب الشيطانية المدمرة للبشرية والمفسدة للهواء والماء والتربة سنواتٍ طويلة في سريةٍ تامة، وتحت غطاءٍ أمني مُدقع، حتى أن هيئة الطاقة الذرية اعتبرت أن "منطقة الجزر الأكثر والأشد تلوثاً في العالم"!

ولم تكن تجارب الدمار الشامل هذه تُجرى في البيئات الأجنبية والشعوب غير الأمريكية، وإنما أُجريت تفجيرات نووية مماثلة في عُقر دار أمريكا وعلى الشعب الأمريكي نفسه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت أمريكا بتفجير أول قنبلةٍ نووية للدمار الشامل في 16 يوليو 1945 في موقعٍ سري جداً أُطلق عليه موقع اختبار ترينيتي(Trinity Test Site) في جنوب ولاية نيومكسيكو الصحراوية بالقرب من مدينة(Tularosa)، وعند إجراء هذه التجربة النووية لم يتم إشعار المواطنين بهذه العملية، ولم تتم عملية إجلائهم من قراهم ومدنهم، وإنما تركوهم في بيوتهم دون أي علمٍ بما يجري من حولهم من تجربة هائلة عظيمة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ البشرية، فتَعَرض المواطن الأمريكي لهذه الاشعاعات القاتلة والملوثات المـَرضِية التي تركت بصماتها غزيرة في أجسام الآلاف من الأمريكيين في تلك المنطقة، فأمريكا إذن سمحت نفسها بقتل شعبها بيدها!

فهذه هي الوثائق السرية التي ظهرت مؤخراً، والتي كشفت بوضوح التاريخ الأسود لأمريكا واتِبَاعِها لسياسة الغاية تبرر الوسيلة على القريب والبعيد، فهل تغيرت هذه السياسة الآن، أم أنها سياسة متجذرة في أعماق استراتيجيات أمريكا وفي نفوس وقلوب الساسة الذين يجلسون في واشنطن في البيت الأبيض والكونجرس؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق