الاثنين، 25 يناير 2016

نهاية سيارة الشعب


سيارة الشعب هي الفولكس واجن التي أنتجتها ألمانيا في عصر هتلر في عام 1937 لتكون سيارة عامة الناس وفي متناول الطبقات العاملة والفقيرة، ومنذ ذلك الوقت وهذه السيارة تشق طريقها بكل هدوء في بحر صناعة السيارات، وتأخذ في كل سنة خطوة ثابتة، وقوية، ومتزنة لكل تستطيع أن تنافس باقي السيارات المعروفة بقوتها، وجودتها، ومصداقيتها في الطريق، فلا تغرق في بحر عالم السيارات ولا تسقط في منتصف الطريق غير قادرة على التنافس معها.

 

وبالفعل نجحت نجاحاً باهراً وغير مسبوق، وحققت أرباحاً خيالية عظيمة، حتى تحولت من سيارة الشعب وسيارة ذوي الدخل المحدود إلى سيارة النخبة والأغنياء، وأصبحت واحدة من أكبر منتجي السيارات على المستوى الدولي.

 

ولكن جشع الإنسان، وعبوديته للمال، ورغبته في تحقيق الإنجازات والربح السريع والكبير وبلوغ مرحلة العظمة، والوصول إلى درجة الاحتكار وكسر الآخرين وتحطيمهم من خلال إتباع كافة الوسائل الشرعية غير الشرعية، واستخدام الأدوات المحظورة وعلى حساب القيم والمبادئ والأخلاقيات الإنسانية، هي التي جعلت هذا العملاق الكبير يتهاوى، وتنتهك قواه، وقد يسقط مغشياً عليه، أو ميتاً بعد حينٍ من الزمن.

 

فشركة فولكس واجن أصابها غرور العظمة، ونَهش الكبرياء في أعضائها، واستفحل التحايل والغش في شرايينها، فاعتبرت نفسها شركة فوق القانون، وأنها تستطيع أن تفعل ما تريد دون رقابة أو محاسبة أو اكتشاف ما تقوم به من غشٍ أو تضليل.

 

فقامت ولأكثر من عشر سنوات في بيع أكثر من 11 مليون سيارة مغشوشة، وبالتحديد السيارات التي تعمل بالديزل، حيث ركَّبَتْ على هذه الملايين من السيارات برنامجاً في الحاسب الآلي للسيارة(software)، وأُطلقت عليه(defeat device)، وحَوَّرت هذا البرنامج وتلاعبت فيه ليُضلل المستهلك، ويُقدم معلومات كاذبة ومزورة عن نسبة الملوثات التي تنبعث من عوادمها، فكيَّفت هذا البرنامج ليُقدم أرقاماً وقراءات خاطئة تفيد بأن التلوث الناجم عن هذه السيارات منخفض جداً ويتوافق مع معايير الانبعاث التي وضعتها دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت عن طريق هذا الغش التجاري البيئي الصحي لعدة سنوات، وتمكنت من اكتساح سوق السيارات وإقناع الدول على شراء هذه السيارات الخضراء "الصديقة للبيئة" التي يلهث العالم لشرائها حفاظاً على صحة البيئة وصيانة لأرواح الناس!

 

ولكن الصُدف كشفت هذه الفضيحة الكبرى والجريمة النكراء في الولايات المتحدة الأمريكية، واضطرت الشركة إلى الاعتراف بها في سبتمبر من عام 2015، والآن تعاني هذه الشركة العملاقة من أزماتٍ لا تُعد ولا تحصى، وقد تقضى على سيارة الشعب كلياً، والتداعيات التي سأذكرها لكم تؤكد حجم الورطة الثقيلة التي أوقعت نفسها فيها.

أولاً: استقالة الرئيس التنفيذي وكبار التنفيذيين من الشركة، مما يعني خسارة خبرات تراكمت عبر الزمن ولا يمكن تعويضها.

ثانياً: خصصت الشركة فور انكشاف الفضيحة مبلغاً وقدره 7.3 بليون دولار لمواجهة التداعيات المتوقعة، وهذا يعني خفض المصروفات في القطاعات الحيوية الأخرى كالأبحاث والتطوير، مما يقلل من قدرة الشركة على التنافس مستقبلاً.

ثالثاً: منذ أن انكشفت الجريمة  خسرت الشركة نحو 20 بليون من قيمتها السوقية، كما  انخفض سعر الأسهم بنسبة 39%.

رابعاً: انخفضت المبيعات بشكلٍ عام على المستوى الدولي بنسبة 4.8%، وهذا يُعد أول انخفاضٍ تشهده الشركة منذ 11 عاماً.

خامساً: خسرت الشركة في اليابان موقعها في طليعة السيارات التي تباع في اليابان لأول مرة منذ 16 عاماً، فانخفضت المبيعات بنسبة 18.8%، كما انخفضت المبيعات في ألمانيا لأول مرة خلال عشر سنوات بنسبة 5.3%، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 25%، وفي بريطانيا بنسبة 20%.

سادساً: إصلاح السيارات المغشوشة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط يكلف نحو 9.3 بليون دولار.

سابعاً: رَفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى مدنية في الرابع من يناير من العام الجاري في محكمة اتحادية في مدينة ديترويت، تطلب فيه تعويضاً مالياً يقدر بـ 18 بليون دولار للمخالفات التي ارتكبتها الشركة، ودعاوى أخرى كثيرة رُفعت من الأفراد، وجمعيات المستهلكين، ووكلاء السيارات، وهذه القضايا قد تتحول إلى قضايا "جنائية" في المستقبل، كما أن هناك عدداً هائلاً من الدعاوى رفعت ضد الشركة في الكثير من دول العالم.

فبعد كل هذه التداعيات التي نزلت على فولكس واجن، والكثير منها سيأتي لاحقاً، هل تستطيع هذه الشركة أن تصمد أمامها، أم أنها ستنكسر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق