الأربعاء، 13 يناير 2016

طُّعْمٌ اسمه السجائر الإلكترونية


عندما اشتَد الخنَاق على شركات المرض والقتل المـُــنْتجة لسجائر التبغ التقليدية، وانخفضت بشكلٍ مشهود مبيعاتها وأعداد المدخنين لها على المستوى العالمي، اشتغلت عقول شياطين الجن والإنس من جديد، وشرعت في التفكير عن البديل الذي يُعوضهم هذه الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم وزلزلت الأرض من تحت شركاتهم.

 

فنَصَبْت شركات الموت فخاً جديداً ليقع فيه الناس والحكومات والوزارات المسئولة عن صحة الناس، وقَدَّمت لهم طُّعْماً مُغرياً في طبقٍ من ذهب، وأَطلقت عليه السجائر الإلكترونية، وسوقتها للناس على أنها البديل الفاعل عن السجائر القديمة التي تقتل الناس ببطء وتصيبهم بالأمراض المستعصية وفي مقدمتها السرطان، فادْعَتْ على أنها سليمة كلياً، ولا تُعرض المدخن للملوثات القاتلة والأمراض المزمنة، بل ومع الوقت تجعله يعزف عن التدخين كلياً ويتخلص من هذه العادة السيئة!

 

وفي الوقت نفسه جيَّشَت جيوشها، وجنَّدت جنودها، وحَشَدتْ كل طاقاتها وإمكاناتها في كافة المجالات للدعاية لهذا المنتج السحري العجيب، فجاءت الأقلام المأجُورة لتُمجد في مميزات السجائر الإلكترونية وخصائصها الحميدة، وبثت البرامج الإذاعية والتلفزيونية "الموضوعية" لتمدحها وتُلْبسها لباس الزينة والصحة وسلامة المدخن، كما دخل على الخط المرتزقة من علماء السوء والمصلحة الشخصية ليقدموا دراسات وأبحاث "علمية" تؤكد على فوائد السجائر الإلكترونية وفاعليتها في التوقف عن التدخين نهائياً.

 

فكل هذه الدعايات والإعلانات التي كَلَّفت شركات التبغ الملايين، قد أَتَت أُكُلُها بعد فترةٍ قصيرةٍ من الزمن، وبدأت هذه الشركات بِقَطف ثمرة هذه الجهود، وبخاصة مع فئة الشباب والمراهقين، حيث أكد المركز الأمريكي لمنع والتحكم في الأمراض في التقرير المنشور في الخامس من يناير من العام الجاري حسب الدراسة الميدانية التي أجراها على 22 ألف طالب ومراهق في المدارس الأمريكية، والذين أفاد 70% منهم بمشاهدتهم لدعايات التسويق للسجائر الإلكترونية سواء في شبكة الإنترنت، أو التلفزيون، أو الصحف والمجلات، أو في دور السينما، وهذه النسبة العالية تمثل أكثر من 18 مليون شاب أمريكي. وعلاوة على هذا، فإن المبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت بدرجة مشهودة، حيث بلغت نحو 2.5 بليون في عام 2015، وعدد المدخنين بين الشباب والطلاب زاد ثلاث مرات من عام 2013 إلى 2014.

 

ولكن الحقائق العلمية تؤكد عكس ما تُروجها وتسوقها شركات التبغ العملاقة حول السجائر الإلكترونية، ومن هذه الحقائق ما يلي:

أولاً: السجائر الإلكترونية أخف ضرراً من سجائر التبغ لأن كمية ونوعية الملوثات التي تنبعث عنها أقل، ولكنها في الوقت نفسه ليست سليمة وآمنة لصحة الإنسان، فعلى الإنسان تجنب تدخينها والابتعاد عن شرورها، ولا تُوجد أية أدلة علمية موثقة تؤكد أن من يدخنها يَعزف عن التدخين كلياً.

 

ثانياً: هذه السجائر تستخدم النيكوتين السائل، ومن المعروف أن النيكوتين يسبب الإدمان وهو مركب سام.

ثالثاً: هناك أكثر من 500 نوعٍ من السجائر الإلكترونية تحتوي على أكثر من 7000 نكهة مختلفة، ولا يعلم أحد عن هوية ونوعية هذه النكهات والمضافات الأخرى.

رابعاً: أكدت دراسة منشورة في مجلة علم الأورام(Oncology) في العدد المنشور في 29 ديسمبر من العام المنصرم أن الأبخرة التي تنبعث من السجائر الإلكترونية تؤدي إلى تلف خلايا الإنسان، وبالتحديد تدمير الخلايا الوراثية الـ دي إن أيه(DNA)، مما يُحول هذه الخلايا إلى خلايا سرطانية، وبالتالي موت هذه الخلايا وإصابة الإنسان بالسرطان.

خامساً: أفادت دراسة في مجلة شؤون صحة البيئة الأمريكية في العدد ديسمبر من العام المنصرم حول المضافات التي توضع في السجائر، وأكدت أن الأبخرة المنبعثة من المدخن تحتوي على مركبات خطرة ومسرطنة، منها وأسيتوين(acetoin) و(2,3-pentanedione) وداي أسيتيل(diacetyl)، والفورمالدهيد، وجدير بالذكر أن مركب الداي أسيتيل بالتحديد تَنجم عند التعرض له حالة مرضية قاتلة تُطلق عليها رئة الذرة الصفراء(popcorn lung)، وعلمياً تُعرف بمرض( bronchiolitis obliteransوهو مرض مرعب يصيب الجهاز التنفسي ويُعد نوعاً من سرطان الرئة.

 

واستناداً إلى هذه الحقائق الطبية والصحية، أتمنى من الجهات المعنية في البحرين أن لا يأكلوا من هذا الطُّعْم، ولا يسقُطوا في هذا الفخ الجديد المــُعْد لهم ولدول العالم الأخرى، وأن يتعاملوا مع السجائر الإلكترونية نفس تعاملهم مع سجائر التبغ المعروفة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق