السبت، 9 يناير 2016

أيهما يَنْقل الإنسان قَبْل إلى مثواه الأخير، الإيدز أم التلوث؟


هناك بعض الأمراض المستعصية والخطرة التي يقشعر منها جلد الإنسان، ويرتعد لها جميع أعضائه، ويهتز جسمه فزعاً فيسقط مغشياً عليه عندما يسمع أنه أو أحد من أقاربه قد أصيب بها، كالسرطان والإيدز، فَهُما من الأسقام الحديثة المزمنة، والابتلاءات الشديدة المهلكة التي ارتفعت في السنوات الأخيرة أعداد البشر الذين يصابون بهما ويعانون من ويلاتهما وآلامهما القاسية، ويُنقلون بسببهما إلى مثواهم الأخير.

 

ولكننا في الوقت نفسه لا نُحرك ساكناً، أو تتحرك أحاسيسنا خوفاً ورعباً من مصدرٍ مُستجد خطير يُهددنا نحن بني البشر والكائنات الحية التي تعيش معنا، فيُعرضُنا للعديد من الأمراض القاتلة الغريبة التي لم نعهدها من قبل، والعِلل المدمرة لصحتنا، ويُعد أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى سقوط الإنسان مُبكراً في مصيبة الموت وهو في ريعان شبابه.

 

وفي كل يوم تكشف لنا الدراسات والأبحاث الميدانية وتؤكد لنا عُمق تغلغل هذا المصدر في حياتنا اليومية، وتجذره في شرايين مجتمعاتنا كلها شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، فهو لا يُفارقنا دقيقة واحدة وهو معنا أينما كُنا، في المنزل، والمكتب، وفي الملعب والنادي، وفي البر والبحر والجو، حتى ولو كُنَّا في بروجٍ عالية مشيدة، فهو يُدْركُنا ويصل إلينا، ويؤثر علينا ويفسد صحتنا وحياتنا.

 

فكلمة "التلوث" هي التي من المفروض أن تكون نذير شؤمٍ لنا فتُفزعنا عند سماعها، وهي التي من المفروض أن تحرك نفوسنا وتهز قلوبنا عند التعرض لها، فالتلوث هو الوباء الجماعي فيُهدد صحة الملايين من شعوب العالم في كل أنحاء الكرة الأرضية بعيدة كانت ونائية أم قريبة، ويوقعهم في شباك الأمراض والأسقام المزمنة والتي في بعض الحالات تستعصي على العلاج فَتُسرع من دخول الإنسان إلى القبر.

 

فهناك قرابة ثلاثة ملايين إنسان سنوياً على المستوى الدولي يُنقلون على نُعوش الموت وهم في سنٍ صغيرة، أي ستة إنسان كل دقيقة، وذلك بسبب ملايين الأطنان من جميع أنواع الملوثات السامة والخطرة والمسرطنة التي تنطلق في كل ثانية إلى الهواء الجوي من ملايين السيارات والقطارات والطائرات وعشرات الآلاف من محطات توليد الكهرباء، إضافة إلى المصانع التي تعمل على مدار الساعة فتبث سمومها في البر والبحر والجو، وحسب التقديرات المنشورة في مجلة "الطبيعة" المعروفة في سبتمبر من العام المنصرم، فهي تشير إلى تضاعف هذا العدد بحلول عام 2050، كما تؤكد هذه الدراسة الفريدة من نوعها على أن عدد الموتى من التلوث يزيد كثيراً عن الذين يموتون بسبب الأيدز والملاريا معاً.

 

كما نُشرت دراسة ثانية في المجلة الأمريكية "شؤون صحة البيئة" في العدد الصادر في الأول من يناير من العام الجاري وتفيد أن التلوث وبالتحديد من الدخان أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر والتي يقل قطرها عن 2.5 ميكروميتر، تزيد من شر الوقوع في أمراض القلب والجهاز التنفسي وسرطان الرئة، وترفع من معدل الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية. 

 

فهذه الدراسات ومثيلاتها من الدراسات الأخرى تُعد بالنسبة لي تحذيرات شديدة اللهجة، وتنبيهات قوية وصارخة موجهة إلى كل إنسانٍ مسؤولٍ ومهتمٍ بحماية الصحة العامة، ومعنيٍ بوقاية الناس من الأمراض والحفاظ على حياتهم من الموت المبكر، كما هي موجهة في الوقت نفسه إلى رجال السياسة والتشريع فتدعوهم إلى الاهتمام بقضية التلوث وجعلها في مقدمة سلم الأولويات، والعمل على سَنِّ القوانين والأنظمة اللازمة لمنع التلوث من مصدره أولاً ثم خفض نسبة وتركيز الملوثات التي تنبعث من مصادرها الكثيرة والمتنوعة. 

 

فكما أننا نعمل جادين لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من الأمراض المزمنة والأسقام القاتلة، فعلينا أن نَصُب جُل اهتمامنا إلى المصادر الرئيسة والمتزايدة التي تُنزل علينا هذه الأوبئة، ونركز جهودنا على الأسباب الحقيقية الواقعية التي تقف وراءها، والتلوث يقع في المقدمة ويحتل المرتبة الأولى في القائمة. 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق