الأربعاء، 6 يناير 2016

ماذا تُـحْضِر مَعَكْ عندما تَرْجِع من السفر؟


تَعَود الناس في كل أنحاء العالم وأصبح جزءاً من الثقافة الإنسانية أنهم إذا ذهبوا للسياحة والراحة والاستجمام إلى أي بلدٍ آخر فإنهم يحضرون معهم "السوفونير" أو الهدايا التذكارية الخاصة بتلك البلاد والفريدة من نوعها والتي عادةً ما لا يمكن شراؤها في بلادهم ولها علاقة مباشرة بتراث وتقاليد تلك الدولة، أو الحلويات التي تتميز بها وتشتهر وتنفرد بها على سائر الدول الأخرى، فيوزعونها بعد الرجوع من سفرهم على أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء في جوٍ من الفرح والأنس والسرور.

 

ولكن مع هذه الهدايا التذكارية الجميلة والفريدة التي يَحملها الناس معهم ويضعونها بأيديهم في حقائب السفر مع أمتعتهم الأخرى، قد تَكُون دَخَلت معها ودون أي علمٍ منهم، كائنات حية أيضاً فريدة من نوعها ولا توجد إلا في تلك المدن والبيئات التي سافروا إليها، وقد تكون هذه كائنات حية دقيقة ومجهرية أحياناً، أو حشراتٍ كبيرةٍ الحجم نسبياً ومُتَطفلة على هؤلاء السياح، مثل بقة أو حشرة السرير، فتلتصق مع الهدايا أو الأمتعة الشخصية كالأحذية والملابس، فتجد طريقها في حقائب السفر، وتسافر معهم مجاناً دون عناءٍ أو تعب، أو دفع أية مبالغ مالية كتذاكر السفر والإقامة أو غيرهما، فتأتي إلى بلادنا وتَحِل ضيوفاً غير مرغوبٍ فيهم علينا، بل وفي بعض الحالات الموثقة علمياً وواقعياً تهدد هذه الكائنات الغريبة مكونات البيئة في الدولة التي نزلت بها، وتشكل خطورة أمنية واقتصادية على الكائنات الفطرية الحية الموجودة أصلاً والمستوطنة منذ قِدم الزمان في البر أو البحر أو الجو في بيئة هذه الدولة التي دخلت فيها وغزتها دون تأشيرة، أو إذن شرعي والسماح بالدخول.

 

فهذه الظاهرة الآن تحولت إلى قضية دولية شائكة ومعقدة ومتشابكة، فتخطت تأثيراتها الحدود الجغرافية المصطنعة للدول، وأصبحت ذات أبعادٍ بيئية وصحية واقتصادية واجتماعية وسياحية، مما اضطر العلماء إلى التعمق فيها ودراستها عن قرب والتعرف على واقعيتها وحجم الأضرار التي تنجم عنها.

 

ومن الدراسات التي حاولت التعرف عن كثب على مدى واقعية هذه الظاهرة، تلك المنشورة في المجلة الأمريكية بلاس وان(PLOS ONE) في عددها الصادر في ديسمبر من العام المنصرم، حيث حاولت تحديد ومعرفة العلاقة بين السياحة بين الدول ونقل وتحرك الكائنات الفطرية الدخيلة والغازية من دولةٍ إلى أخرى، وأكدت هذه الدراسة أن المناطق السياحة المشهورة في العالم، والتي تزورها أفواج متزايدة من الناس من خارج تلك المناطق ومن البلاد الأجنبية، ترتفع فيها أعداد الكائنات الحية "المستوردة" والدخيلة وغير المستوطنة أصلاً في تلك المناطق التي تعج بالسياح، أي تلك الكائنات المتطفلة التي غزت هذه المناطق وجاءت مع السياح مجاناً.

 

وهذه الظاهرة لها أوجه متعددة غير التنقل مع السياح، حيث إن السفن التجارية والسياحية، وسفن البضائع والشحن، وبارجات نقل النفط ومشتقات البترول، هي أيضاً وسائل معروفة تتحرك معها الكائنات الغازية وتنتقل عن طريقها من دولةٍ إلى أخرى.

 

وفي الخليج العربي بالذات نعاني بصفةٍ خاصة من ظاهرة محددة وواقعية تتمثل في غزو الكائنات البحرية من بحارٍ ومحيطاتٍ غريبة علينا إلى مياه الخليج العربي عن طريق مياه التوازن التي تحملها الآلاف من بارجات النفط العملاقة لتحافظ على توازنها وسلامة مسيرتها في البحر، ثم تقوم بالقرب من موانئ التحميل والشحن بِصَرف هذه المياه الملوثة والمشبعة بالمواد الكيميائية الخطرة والكائنات الحية الدقيقة والكبيرة الحجم إلى بطن الخليج، حيث دخلت في بيئتنا البحرية منذ اكتشاف النفط وتصديره، أي منذ أكثر من سبعين عاماً، عشرات الآلاف من الكائنات الحية النباتية والحيوانية الغريبة والدخيلة على بيئة الخليج والأحياء التي تعيش فيها، ولا ندري حتى الآن بالتفصيل الدقيق العواقب التي نشأت عنها، والتهديدات التي سببتها للبحر والحياة الفطرية فيها والنظام البيئي العام في الخليج العربي، كما لا يعلم أحد حتى يومنا هذا الانعكاسات الاقتصادية التي نجمت عن كل هذه التهديدات البيئية. 

 

ولذلك عندما تسافر إلى بلادٍ أجنبية ومدنٍ تختلف بيئاتها عن بيئاتنا، عليك أن تتأكد وأنت تحزم أمتعتك وتضعها في حقيبتك أن لا تُدخل معك "هدايا تذكارية" سيئة السمعة وغريبة علينا، فلا تترك آثاراً طيبة وحسنة بعيدة الأمد لتلك الدولة التي جئت منها.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق