السبت، 26 ديسمبر 2015

أَغْلَقتْ بِكين أبوابها، فمتى تغلق المنامة أبوابها!


ليس من باب المـَجَاز، أو الترهيب، أو من قبيل المبالغة اللغوية أن أَكتُب بأن العاصمة الصينية بكين قد أَغْلقتْ أبوابها، فما نَزَل عليها في الأيام والأسابيع الماضية من كارثةٍ بيئية مَهولة هي بالفعل أَوقفتْ نبض الحياة في هذه المدينة العريقة وفي المدن الحضرية الكبيرة الأخرى، فانشلت حركة وسائل النقل من سيارات وقطارات وطائرات، وأصدرت الحكومة أوامرها بإغلاق المدارس والجامعات لأبوابها أمام الطلاب، والكثير من المحلات التجارية والمصانع وأعمال البناء توقفت عن العمل كلياً، وتم تحذير كافة المواطنين عن طريق كافة وسائل الإعلام من الخروج من منازلهم، وتوجيههم إلى تجنب ممارسة أي نشاط، أو عمل خارج البيئات الداخلية، وقد وصلت هذه التحذيرات إلى درجةٍ كبيرة بحيث تم منع المواطنين من الشواء بالفحم في المتنزهات والأماكن الترفيهية العامة.

 

فهذه المظاهر الواقعية التي عاصرناها وشاهدناها أمام أعيننا في العاصمة في الأيام الماضية من خلال وسائل الإعلام المرئية، وقرأنا الكثير عنها في الصحافة، أليست كل هذه أدلة محسوسة وملموسة تُؤكد بأن بكين عملياً قد توقفت عن العمل، وأَغْلقت أبوابها؟

 

فمدينة بكين وشنجهاي ومدن صينية صناعية وحضرية أخرى عانت منذ سنوات ومازالت تقع تحت وطأة التلوث، وبخاصة تلوث الهواء الجوي والمتمثل في انكشاف ضيفٍ ثقيل ينزل عليها بين الحين والآخر، بل وإن هذا الضيف بدأ يستوطن البيئة الصينية ويُرهب السكان عندما يظهر أمام أعين الناس على هيئة ضبابٍ كثيفٍ مُشبع بالسموم والملوثات المسرطنة، فتنعدم الرؤية تماماً حتى إنك إذا أخرجت يدك من جَيْبِك لن تراها من شدته، فيتألم الملايين من المواطنين من هذا المنظر المزع والمخيف، فمنهم من يُصاب بالأمراض والعلل الجسمية الحادة والمزمنة، ومنهم من يقضى نحبه من هذه الأمراض القاتلة، ومنهم من يتعرض لحالةٍ نفسية شديدة من القلق والاكتئاب العميقين هلعاً من نزول هذا الضباب وخوفاً من عدم انقشاعه واستمراره طويلاً والشعور بحالة من الإحباط واليأس والقُنوط.

 

وفي هذه الحالة، على سبيل المثال، نزل هذا الضيف المزعج على هواء بكين في السابع من ديسمبر من العام الجاري، ولأول مرة في تاريخ الصين تَرفع الحكومة الراية الحمراء، وتُعلن الإنذار الأحمر عبر وسائل الإعلام، محذرةً المواطنين من وقوع أعلى درجات الطوارئ البيئية الصحية، وما أن بدأ هذا الضيف من جَمْع رحاله وأمتعته للمغادرة وأخذ الضباب في الانقشاع قليلاً، حتى نزل مرة ثانية على البلاد في 18 ديسمبر، فاضطرتْ الحكومة الصينية للمرة الثانية إلى رَفْع العلم الأحمر ودق ناقوس الخطر والإعلان عن الإنذار الأحمر وحالة الطوارئ القصوى، وجدير بالذكر أن مثل هذه الحالات البيئية والمرضية التي تنزل على الصين تقضي على نحو 1.4 مليون صيني فيموتون موتاً مبكراً سنوياً، أي بمعدل 4000 صيني يومياً.

 

والسؤال الذي أطرحه عليكم الآن هو: هل هذه الظاهرة القاتلة التي تتعرض لها المدن الصينية فريدة من نوعها فتصيب الصين فقط، أم إنها ظاهرة عالمية تتعرض لها معظم المدن الحضرية الكبرى؟

 

ومن خلال متابعاتي لهذه القضية البيئية الصحية تأكد لي أنها ظاهرة عالمية منتشرة في الكثير من مدن العالم، وأنها داء معدي يصيب القريب والبعيد، ووباء لا يستثني أحداً، ففي مثل هذه الأيام صَرَخت مدينة دلهي الهندية من هذا الضباب المميت فأغلقت المدارس أبوابها ومُنعت الكثير من السيارات في التحرك في الشوارع، كذلك في طهران العاصمة الإيرانية، وبالتحديد في 19 ديسمبر، قررت السلطات الايرانية اقفال المدارس وبعض المصانع في طهران بسبب تلوث الهواء الذي غطى سماء المدينة وبلغ مستويات قياسية لا يمكن للبشر والحجر من تحملها، وفي باريس وقبيل قمة التغير المناخي، اتخذت باريس إجراءات بيئية صارمة وحازمة لمنع تفاقم الوضع البيئي القائم المتمثل في ظهور هذا الضباب الضوئي القاتل.

 

ولذلك من المؤكد أن ظاهرة الضباب عالمية ويمكن أن تقع في أية مدينة، ونحن في البحرين سنشهد هذه الظاهرة قريباً، وسنضطر إلى إغلاق أبواب المنامة إذا لم نعمل بجديةٍ وحزمٍ شديدين من منع انكشافها في سمائنا، فمؤشرات وقوعها موجودة أمامنا، وبالتحديد من السيارات التي تشبعت بها شوارعنا وتزيد بمعدلات مخيفة لن تستطيع الشوارع من استيعابها، إضافة إلى محطات توليد الكهرباء والمصانع الأخرى التي تبث سمومها فتؤدي إلى تكون مثل هذا الضباب مع الوقت، وما ذلك مِنَّا بِبَعيد.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق