الأحد، 13 ديسمبر 2015

من أَولْ مُلوِّث للهواء الجوي؟


الدول الغربية والصناعية الكبرى هي التي دائماً تزرع البذور الخبيثة في عناصر بيئتنا، ثم تُحملُنا نحن جميعاً فاتورة الأضرار التي تنجم عنها، فهي التي تغرس بذور الشر والمرض وبعد ذلك تفرض علينا دفع تبعاتها الأليمة والثقيلة على صحتنا وصحة كافة أعضاء بيئتنا، وتضع على عاتقنا المسؤوليات الجسام الناجمة عنها.

 

فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً، وبالتحديد منذ قيام الثورة الصناعية الأولى، وتعمقنا في تاريخ تلوث الهواء الجوي منذ تلك الحقبة الزمنية وحتى يومنا هذا، لوجدنا مما لا يدع مجالاً للريبة والشك بصمات الدول الصناعية الكبرى، وبخاصة الدول الغربية شاهدة على ما ارتكبتها أيديهم الآثمة من استباحةٍ كاملة وشاملة لحرمات الهواء الجوي، ومن تدميرٍ ممنهجٍ ومُتعمد لمئات السنين لنوعية الهواء، فهذا الفساد العظيم الذي تجذر في أعماق الهواء وضرب أَطْنابه فيه لم يكن في حُدود هذه الدول الغربية الصناعية وفي أجوائهم الجغرافية الضيقة فحسب، وإنما انتقلت هذه السموم التي أطلقوها إلى الهواء الجوي إلى مناطق ودولٍ أخرى ليست لها علاقة بهذا التلوث، ولا توجد فيها أية مصادر ملوثة للبيئة، فغطى هذا التدهور لنوعية الهواء كل شبرٍ من الهواء في الكرة الأرضية برمتها، واخترق سيادة أجواء الدول المجاورة والتي تبعد آلاف الكيلومترات عنها، فلم يبق الآن على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا ودخله التلوث فبَلغ منازلنا وعقر دارنا.

 

ولذلك فمن المفروض من الناحية الأخلاقية والقانونية أن يتحمل كل إنسان أو دولة مسؤولية ذنوبها وأخطائها تجاه الآخرين، سواء أكانت هذه السلبيات وقعت على أعضاء البيئة أو صحة الإنسان، كما أن على هذه الدول التي انبعثت منها السموم القاتلة لعقودٍ طويلةٍ من الزمن أن تدفع ثمن وكُلفة الأضرار الصحية التي نجمت عنها، إضافة إلى تحمل جميع التكاليف الأخرى المالية والاجتماعية التي صاحبتها.

 

ودعوني أُقدم لكم مثالاً واحداً فقط لأؤكد لكم واقعية هذه الحالة التي نعاني منها مع الدول الصناعية الكبرى وتنصلها دائماً وهروبها من انعكاسات الذنوب التي ترتكبها تجاه بيئتنا المشتركة.

فالدول الغربية الصناعية منذ الثورة الصناعية الأولى، أي منذ نحو مئتي عام، ومنذ اكتشاف المحركات والأجهزة التي تعمل بالأخشاب، فالفحم ثم بمشتقات النفط، سواء أكانت من وسائل النقل المختلفة، أو من محطات توليد الكهرباء، أو من المصانع، وهي تُطلق الملايين من الأطنان من شتى أنواع الملوثات السامة والخطرة والمسببة للسرطان على مدار الساعة، وفي كل يوم من أيام العام، ودون أن تكون هناك أية مراقبة لأحجام هذه الملوثات وأنواعها، وبدون أدنى محاسبة ومتابعة لتأثيراتها الضارة والمدمرة للبيئة والصحة العامة، سواء على المستوى القومي الوطني، أو المستوى الإقليمي والدولي.

 

وفي هذه الفترة الزمنية التي استمرت عقوداً طويلة، والتي كانت فيها هذه الدول الغربية تُكون ثروات ضخمة وتُحسن من حياتها،وفي الوقت نفسه تستبيح كل مكونات بيئتنا وتُطلق ما تشاء وكيفما تريد من الملوثات في البر والبحر والجو، كانت دولنا أو الدول النامية في تلك الحقبة من الزمن غارقة في سباتٍ عميق، وتغوص في ظلمات الجهل المدقع، وغياهب التأخر المزمن.

 

ومن بين الملوثات التي أُطلق لها العنان طوال هذه السنوات لتنتشر في سمائنا وتتراكم فوق رؤوسنا هي غاز ثاني أكسيد الكربون، حتى بَلَغ تركيزه المستوى الضار الحرج فأدي إلى انكشاف ظاهرة بيئية لم تؤثر على الدول التي سمحت لهذا الغاز بالانبعاث، وإنما أثرت على الدول التي لا ذنب لها، ولا ناقة لها ولا جمل في وقوع هذه الجريمة البيئية، بل وبلغ تأثيرها المدمر الحرث والنسل والأخضر واليابس، فعَمَّ الكرة الأرضية برمتها، ورفع درجة حرارتها وأصابها بمرض التغير المناخي المستعصي على العلاج.

 

فدول العالم جمعاء تجتمع منذ عام 1992، أي منذ 24 عاماً وحتى قمة باريس للتغير المناخي، لتَحُل هذه المشكلة المزمنة والمعقدة التي تَسببت في وقوعها بشكلٍ رئيس الدول الصناعية الغربية، ولكن هذه الدول التي كانت لها اليد الطولي في حدوث التغير الكارثي لمناخ الأرض وسخونة أعضاء جسمها، لا تريد أن تعترف بخطيئتها تجاه كوكبنا والبشرية جمعاء، ولا تريد أن تُسهم في تحمل كُلفة العلاج وتُنفق بدرجةٍ تتناسب مع حجم الضرر الذي قامت به، بل وتسعى جاهدة دون حياءٍ أو خجل أن تُلقي اللوم على الدول النامية التي بدأت للتو تصحو من نومها لتنمو وترفع من مستوى معيشتها، فتضع الأغلال الثقيلة في أعناقها، وتسد الطريق أمام نموها، فتُحملها أعباءً إضافية لا طاقة لها به، ولا دور لها في وقوعه.

 

فعلى الدول النامية التضامن مع بعض والوقوف صفاً واحداً أمام هذا الاستغلال الغربي البشع للقضايا البيئية الدولية التي تسببت هي في وقوعها وتحولت على إِثْرها إلى دولٍ غنية وثرية وعلى حساب كوكبنا وصحتنا، وعلى دولنا التصدي بشدة لمحاولات الغرب المستميتة لخفض الخسائر المادية عن ميزانياتها والتخفي من مسؤولياتها. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق