الأحد، 20 ديسمبر 2015

ماذا يَحدثُ فِعلياً في قِمم التغير المناخي من واقع تجربتي الشخصية؟


الكثير من الناس الذين لم يحضروا القمم التي تُعقد حول التغير المناخي، ولم يشاركوا في أعمالها، لا يعرفون عن كثب ماذا يحدث بداخلها، وماذا يدور فعلياً في أروقتها وفي جلساتها السرية الخاصة والمـُقْتصرة على الدول العظمى، فهذه القمم أُطلق عليها بمؤتمرات، أو قمم "الكِبار"، أي الدول الصناعية الغنية والثرية التي تُحرك العالم سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وبيدها مفاتيح الحل والربط، وبقدرتها تسيير دفة سفينة العالم إلى الجهة التي تتوافق مع مصالحها الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، فكل دولة من هذه الدول الغنية الكبرى تحاول وتسعى جاهدة إلى تحويل دفة سفينة التغير المناخي في الطريق المناسب لها، وبما لا يتعارض مع برامجها التنموية والاقتصادية وأجندتها السياسية.

 

وأما "الصغار"، والمتمثلون في الدول النامية والفقيرة والمستضعفة من سائر دول أفريقيا، ودول أمريكا الجنوبية، ومعظم دول آسيا، فهي تجلس في قاعات الانتظار، أو قاعات المؤتمر الرئيسة التي تجتمع فيها كل وفود الدول، فيُشغلونهم بمناقشة القضايا الهامشية، والتفاوض حول الأمور الجانبية غير المصيرية المتعلقة بالتغير المناخي وأبعادها المتعددة، فأُشبههم هنا بالجمهور الذي يحضر المباريات الرياضية، فيجلس مكتوف اليدين في مدرجات الملعب، أو قاعة الاجتماعات الكبرى متفرجاً، ومنتظراً، ومصفقاً للاعبين في الملعب عند تسجيل الأهداف، فهم في أغلب الأحيان لا حول لهم ولا قوة، ولا قُدرة لهم على تغيير السياسات العامة والقرارات الرئيسة السيادية والمصيرية التي تتخذها هذه الدول في الجلسات التشاورية المغلقة والسرية خلف الستار، والتي تُعقد على هامش القمة بعيداً عن الأنظار ومراقبة وسائل الإعلام.

 

فمؤتمرات التغير المناخي، التي هي من المفروض أن تناقش قضية بيئية في الأصل، ولها علاقة مباشرة بتلوث الهواء الجوي، تَعتبرها الدول الصناعية العظمى في الوقت نفسه مؤتمرات اقتصادية وأمنية في الدرجة الأولى، لأن أبعاد قضية التغير المناخي ومردوداتها المباشرة وغير المباشرة تتعدى الانعكاسات البيئية لتَبْلغ الجانب الاقتصادي والتنموي والأمني، فكل قرارٍ يُتخذ في هذه المؤتمرات ستكون لها في نظر هذه الدول مردودات وخيمة على اقتصادها، وتهدد تنميتها وتطورها وأمنها، وتؤدي إلى ارتفاع البطالة في بلدانها، ولذلك نجد أن معظم الدول تتكون وفودها المفاوضة والمشاركة في قمم التغير المناخي من وزارات الخارجية بشكلٍ رئيس ومن الدبلوماسيين المعتمدين.

 

وهذه الظاهرة الدولية التي ذكرتها ليست حِكراً في تقديري على قمم ومؤتمرات التغير المناخي، ولكنها ظاهرة عامة نراها ونشاهدها يومياً على الساحة الدولية وفي معظم اجتماعات الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة، سواء أكانت بيئية، أم سياسية، أم أمنية، أم حقوقية، بدءاً باجتماعات مجلس الأمن الذي يحكمه ويسيطر عليه "الكِبار"، ويُطلق عليهم بالدول الخمس الدائمة العضوية التي لها حق النقض أو "الفيتو" والتي لا يمكن تمرير أو اتخاذ أي قرار ضدهم مهما فعلوا من جرائم ومهما اقترفت يداهم من آثام وفساد، ولا يمكن في الوقت نفسه الانتقاد أو التنديد بأي ذنبٍ ترتكبه الدول التي تتحالف معهم، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل.

 

ولذلك إذا أردنا أن نُـهاب ونحترم ويسمع رأينا ويصل صوتنا في مثل هذه المحافل الدولية سواء أكانت مؤتمرات التغير المناخي أو المؤتمرات الأخرى، وإذا أردنا أن نرعى ونحمي مصالحنا ومصالح شعوبنا على المستوى الدولي، فيجب علينا الدخول في مثل هذه المؤتمرات ككتلة واحدة متماسكة ومتعاضدة، أو اتحاد قوي معتمد دولياً له وزنه وثقله في ميزان القوى العالمي، وإلا سنكون دائماً على الهامش مستضعفين ننتظر أن تَنْزل علينا السياسات والقرارات من فوق ومن أعلى، فنضطر إلى تنفيذها وتطبيقها رغماً عن أنوفنا حتى ولو تعارضت مع مصالحنا، فاليوم، بالرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين إلا أننا نعيش شريعة الغاب التي تَسُود، فالقوي يأكل الضعيف. 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق