الجمعة، 11 أغسطس 2017

حتماً سينقرض الإنسان



استدامة واستقامة حياة الإنسان على وجه الأرض تعتمد على شيءٍ واحدٍ فقط وهو الذي وصفه الله جلت قدرته في القرآن الكريم وأَطلق عليه كلمة الماء "المَّهِين" الذي هو أساس خَلْق الإنسان، مصداقاً للآية الكريمة: "ألَمْ نَخْلُقكم من ماءٍ مهين"، وفي آية ثانية قال تعالى: "ثم جَعَلَ نَسْلَهُ من سُلالةٍ من ماء مهين". 

فهذا الماء المهين، أو المَنِي هو الذي يضمن استمرارية حياة الإنسان واستدامة وجوده وإعماره للأرض منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام، فهذا الماء يحقق بقاء الجنس البشري على سطح الأرض، ولذلك فالحفاظ على هذا الماء وحمايته، والتأكد من سلامته من الناحيتين الكمية والنوعية هو حماية لنظام التناسل البشري، وضمان لاستمرارية عملية التناسل والتكاثر بشكلٍ طبيعي سليم من جيلٍ إلى آخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

فأي تغييرٍ في نوعية أو كمية هذا الماء، وأي خللٍ يحدث على هذا الماء، فإن التأثيرات طويلة المدى ستكون كارثية على ذرية بني آدم، كما إنها لو استمرت فترة من الزمن فإن عواقبها ستكون وخيمة ولا يمكن التكهن بها وبالأضرار العقيمة التي ستلحق باستدامة بقاء الإنسان.

واليوم نشهد وضعاً مأساوياً يمس هذا الماء، ويتمثل في التدهور الشديد في كمية وحجم هذا الماء من ناحية، والفساد الكبير الذي طرأ على صحته وسلامته ونوعيته من ناحيةٍ أخرى، مما يُشكل تهديداً غير مسبوق للإنسان لم تشهده البشرية من قبل.  

فالدراسات والأبحاث بدأت تنهمر علينا يوماً بعد يوم لتوثق التغيرات التي تطرأ على هذا الماء المهين، وتؤكد على أن صحة وأمن وسلامة هذا الماء في خطرٍ شديد، وقد يؤدي مع الوقت إلى انقراض الجنس البشري. ودعوني على سبيل المثال لا الحصر، أقدم لكم آخر دراسة منشورة هزَّت المجتمع البشري برمته، وألزمته إلى دق ناقوس الخطر ورفع درجة التحذير من وقوع كارثة وشيكة.

فقد نُشرت دراسة شاملة في 26 يوليو من العام الجاري تحت عنوان: "الأنماط الزمانية لأعداد الحيوانات المنوية" في مجلة مستجدات تناسل الإنسان(Human Reproduction Update)، حيث قامت هذه الدراسة بحصر أكثر من مائة دراسة سابقة وتحليلها حول قضية الحيوانات المنوية في دول العالم وشملت أكثر من 50 ألف رجل يمثلون 50 دولة، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وقارة أوروبا، وأستراليا، ونيوزلندا وبعض الدول غير الصناعية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتوصلت إلى نتائج مرعبة للجنس البشري، حيث أكدت على أن عدد الحيوانات المنوية في الإنسان الغربي المتقدم قد انخفض خلال الأربعين سنة الماضية، وبالتحديد خلال الفترة من 1973 إلى 2011 بدرجةٍ مخيفة تنذر بوقوع طامةٍ بشريةٍ كبرى وبنسبة تتراوح بين 50% إلى 60%، وهذه النسبةتزيد سنوياً بمعدل 1.4%، أي أنها مع الوقت وإذا لم يواجه الإنسان الغربي هذه الحالة العصيبة فتؤدي به إلى الهلاك والانقراض.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبحاجة إلى إجابة شافية ومقنعة هو ما هي الأسباب التي أدت إلى بُروز هذا الكَرْب العظيم في الإنسان الذي يعيش في الدول الغربية عامة مقارنة بالإنسان في الدول الأخرى؟ وما هي العوامل التي أدت إلى نزول هذه الظاهرة العقيمة عليهم؟

وفي الحقيقة فإن هذه الحالة المرعبة تحير العلماء منذ نشر البحث الأول حول هذه القضية عام 1992، ومازالوا حتى يومنا هذا يبحثون عن الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، ولكن بشكلٍ عام فإنهم يعزون وقوعها إلى نمط حياة الإنسان الغربي وتوغله في استخدام المواد الكيميائية والمنتجات الاستهلاكية في حياته اليومية، وتعرضه في كل ثانية ومنذ عقودٍ طويلة للملوثات الخطرة والسامة التي توجد فيها. فالإنسان الغربي يدفع الآن ضريبة هذا التقدم والرفاهية والحياة الاستهلاكية غير المقننة التي وصل إليها، فقد أسرف في استخدامه للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والطفيليات في المنزل والملعب وحقول زراعة المحاصيل الكبيرة ذات المساحات الواسعة، والإنسان الغربي تطرف في تناول الوجبات السريعة والمواد الغذائية المعلبة التي تحتوي على مواد كيميائية سرية لا يُعرف الكثير عن هويتها وسُميتها، كالألوان والمضافات الأخرى الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والإنسان الغربي نفسه وبيده ولج في سلوكيات غير صحية ومهلكة كتعاطي المخدرات، وتدخين السجائر، وشرب الخمر، كما أن الإنسان الغربي أدخل في بيئته وفي أسواقه عشرات الآلاف من المنتجات الاستهلاكية لأغراض كثيرة دون التأكد من سلامتها وصلاحيتها بيئياً وصحياً، فعَرَّض نفسه للآلاف من الملوثات التي يجهل الإنسان نفسه الآثار التي يتركها على أمنه الصحي.

فكل هذه العوامل، وعوامل أخرى كثيرة أدت إلى انكشاف ظاهرة التناقص المطرد في أعداد الحيوانات المنوية في المجتمع الغربي، وكلي أمل أن لا نسقط في فخ هذه الحالة المرضية وأن لا يُعدينا الغرب بنمط حياته غير المستدام.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق