الجمعة، 25 أغسطس 2017

دروس وعِبر من كارثة البَيْض الملوث



قبل أن أدخل في تفاصيل هذه الفضيحة الأوروبية، والكارثة الصحية البيئية، أُقدم لكم أهم المشاهد والمظاهر التي انكشفت أمام الناس بسبب وقوع هذه الفضيحة، وذلك لكي تدركوا بأنفسكم حجم هذه الكارثة بيئياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً، والضرر العميق الذي نزل على المجتمع الأوروبي خاصة، وباقي دول العالم عامة، وهي كما يلي:
أولاً: ذبح مئات الآلاف من الدجاج في هولندا وبلجيكا مصدر هذه الفضيحة الكبرى، بدءاً من نهاية يوليو عندما انكشف النقاب عن هذه الطامة الصحية العقيمة.
ثانياً: سحب مئات الملايين من بيض الدجاج بدءاً من الأول من أغسطس من البرادات والمحلات وغيرهما من جميع الدول الأوروبية وإتلافها فوراً، منها على سبيل المثال قرابة 10.7 مليون بيض مسموم في ألمانيا، وأكثر من 700 ألف في بريطانيا، ونحو 250 ألف في فرنسا.
ثالثاً: الإتلاف الفوري لأعدادٍ كبيرة من المنتجات والأطباق الغذائية التي دخل هذا البيض الملوث في تركيبها، مثل سلطات البيض بأنواعها المختلفة، والسندويشات، والميونيز، والكعك، وغيرها.
رابعاً: إغلاق أكثر من 180 مزرعة دجاج في هولندا فقط.
خامساً: وصول البيض الملوث إلى دول غير أوروبية منها، على سبيل المثال هونج كونج في 12 أغسطس، والكونجو في أفريقيا في 14 أغسطس.

فهذه المشاهد المخيفة والمؤثرة على نفسيات مئات الملايين، شاهدناها جميعاً من خلال وسائل الإعلام وقرأنا تفاصيلها المكشوفة، ولكن هناك ما خفي على الكثير من الناس غير المتخصصين والذين لم يتابعوا هذه الفضيحة منذ بداياتها وعند كشف عورتها. فقد أكدت تقارير المحَققين الذين كُلفوا بسبر غور هذه الفضيحة وهم أكثر من 140 محققاً، بأن البذرة الخبيثة لهذه الطامة غُرست في نوفمبر من العام المنصرم، أي قبل نحو تسعة أشهر وبدون أن يعلم أحد عن هذه الغرسة المهلكة، وذلك عندما قامت شركة بلجيكية بتصدير مبيدٍ حشري محظور يُطلق عليه فيبرونيل (fipronil) لكي يُستخدم في غذاء الإنسان إلى أكبر شركة لإنتاج الدجاج والبيض في هولندا تُعرف بشِيك فريند(Chickfriend)، حيث قامت باستعمال هذا المبيد السام الممنوع ورشه في مزارع الدجاج، وبالتحديد في مزارع إنتاج البيض. وهكذا ولمدة أشهر طويلة جداً كانت هولندا، وهي أكبر مُصدر للبيض، تعمل بصمتٍ شديد وسرية تامة فتُوزع وتنشر السم إلى شرايين دول القارة الأوروبية، فيأكل الناس هذا البيض المسموم دون أن يعلموا بتوغل هذا الملوث في البيض وانتقاله يوماً بعد يوم إلى أعضاء أجسامهم.

ولم ينكشف سر هذه الشركة الهولندية إلا في العشرين من شهر يوليو عندما انتقل الخبر إلى سكرتارية الاتحاد الأوروبي، حيث أصدر تعليماتٍ فورية للتخلص من الدجاج والبيض، ولم يصل إلى وسائل الإعلام وعموم الناس إلا في الأول من أغسطس عندما شَبعَ الناس من أكل هذا السم وتراكم في أجسامهم خلال التسعة أشهر الماضية.

فهذا الكَرب العظيم الذي وقع على شعوب القارة الأوروبية وبعض دول العالم يؤكد بأن الكوارث الكبرى تقع بحدثٍ بسيط، أو ممارسة بشرية لا يلقي أحد لها بالاً، كما يقول المثل العربي "مُعظم النار من مُسْتصغر الشرر"، وتَمَثل في هذه الحالة برش مبيدٍ حشري يُستخدم عادةً للقضاء على الحشرات في الحيوانات المنزلية، ولكن هنا استخدم في مجالٍ آخر هو الدجاج الذي يستهلكه الإنسان، فانتقل هذا المبيد بعد فترةٍ من الزمن إلى جسم الدجاج ثم البيض فتلوث وتسمم بهذا المبيد، وأخيراً وفي نهاية الأمر كما هو في كل الحالات، وصل هذا التلوث إلى هرم السلسلة الغذائية وهو الإنسان، ونتيجة لهذا قد يصاب الإنسان بعد حينٍ من الدهر ليس بِبَعيد بأمراضٍ مزمنة ومستعصية على العلاج دون أن يعلم السبب.  

فهذه المبيدات بأنواعها المختلفة والمتعددة كلها سامة وملوثة للبيئة ومواردها الحية وغير الحية بدرجاتٍ متفاوتة، ونستخدمها يومياً في منازلنا، ومكاتبنا، ومزارعنا، وحدائقنا، ومصانعنا، وفي الكثير من مجالات حياتنا، وهناك من لا يستطيع الاستغناء عنها، ولذلك فإنني أُقدم التنبيهات التالية للحد من خطورتها وتهديداتها للصحة العامة:
أولاً: تَأَكُد الجهات المعنية بالدولة من نوعية وسمية ومجالات استخدام كل مبيد يدخل البلاد.
ثانياً: تجنب استخدام المبيدات في المنزل، وإذا كان لا بد من استخدامها فأن يكون باعتدال وعند الضرورة القصوى وبأقل كمية ممكنة، وإبعاد الأطفال عن مكان رشها، فهذه المبيدات قد ترجع إلينا وتُسمننا.
ثالثاً: التفتيش الدوري للمزارع وشركات إنتاج الأغذية للتأكد من نوعية المبيدات المستخدمة ومجالات استخدامها وطرق رشها.
رابعاً: التحليل الدوري للمواد الغذائية النباتية والحيوانية التي تُنتج في البلاد، أو التي تُصدَّر إلينا من الخارج للتأكد من خلوها من هذه المبيدات. 
خامساً: هذا الكارثة الأخيرة التي نزلت على أوروبا بالرغم من تطورها ومراقبتها الشديدة للأمن الغذائي، قد تنزل علينا في أية لحظة إذا تهاونا في قضية نوعية المواد الغذائية التي ننتجها داخل البلاد، أو التي نستوردها من الخارج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق