السبت، 19 أغسطس 2017

صَرْخَة نائب بريطاني داعياً لاستخدام الحشيش!


وَقفَ عضو مجلس العموم البريطاني من حزب العمال بول فلين(Paul Flynn) يوم 18 يوليو من العام الجاري في إحدى جلسات المجلس، وهو يصرخ بكل شغفٍ وحرقة أمام الجميع وكأنه يعاني من أمرٍ ما قائلاً لزملائه البرلمانيين وللناس كافة: "خالفوا القانون... دخنوا الحشيش في البرلمان وتحدوا الحكومة والسُلطات..".

 

فقد كان هذا النائب العُمالي يُوجه هذا النداء العاطفي والقوي والمتَمرِّد على النظام والقانون في سياق مناقشة المجلس لسياسة التعامل مع المخدرات والخمر والمواد الأخرى التي تقع في هذا القائمة، فيدعو إلى السماح رسمياً باستخدام الحشيش أو الماريوانا أو القنب(cannabis) في مجال الطب والدواء والعلاج.

 

وفي الواقع فإن الدَّاعين إلى السماح لاستعمال المخدرات، وبالتحديد هنا الحشيش أو الماريوانا يبدؤون حملتهم أولاً بوجهٍ إنساني بريء، ودعوة أخلاقية سليمة وعَفِيفة وعاطفية لا خلاف عليها بين معظم الناس، من حيث الاستفادة من الحشيش لعلاج المرضى وتخفيف آلامهم ومعاناتهم اليومية، وتقديم الدواء الشافي لأسقامهم وعللهم، ثم ينطلقون إلى ما هو أبعد من هذا الجانب الإنساني الذي يتسترون وراءه، ويمشون خلفه، فيُفصحون عن نواياهم الحقيقية، وهي الدعوة إلى إطلاق سراح هذا المخدر في المجتمع برمته للاستعمال الشخصي، وبهدف الترويح عن النفس والتسلية الفردية البريئة، ومن باب الحرية الشخصية للأفراد، ثم يأتي المشهد الأخير من المسرحية فيصبح الحشيش كالسجائر التي تباع في كل مكان، ويستطيع أي إنسان أن يستخدمها دون حرج، أو خوف، أو استحياء من الآخرين.

 

وهكذا فعلاً بدأت القصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا كانت نقطة الصفر في تفشي الحشيش وتغلغله في عمق المجتمع الأمريكي، حتى تحول الحشيش إلى مَقَام تدخين سجائر التبغ، فيباع في المحلات عامة، ويمكن الحصول عليه الآن وبدون حتى أن تخرج من سياراتك من خلال نافذة خاصة تشتري منها الحشيش كما تشتري الهمبرجر، بل وقد استفحل استخدام الحشيش في مدن أمريكا لدرجة أنك تجد "الصراف الآلي في الطرقات لبيع الحشيش"!

 

فبداية انتشار الحشيش في أمريكا كانت من إحدى أكبر الولايات مساحة، وسكاناً، وأهمية في أمريكا، وهي ولاية كاليفورنيا، وذلك عندما صوت جمهور الولاية في عام 1996، أي قبل 21 عاماً على السماح لاستخدام الحشيش في الأغراض الطبية ولعلاج بعض الحالات المرضية، وبهذا التوجه الجديد انفتح الباب على مصراعيه لباقي الولايات لتُنظم استفتاءات شعبية حول استخدام الحشيش بشكلٍ عام لأغراض طبية علاجية، أو أغراض شخصية للتسلية والترويح عن النفس، فكانت المحصلة حتى يومنا هذا موافقة 28 ولاية أمريكية على السماح لاستعمال الحشيش في مجال الطب، وثمان ولايات تستطيع فيها شراء الحشيش علانية وبشكلٍ رسمي في المحلات الخاصة بذلك.

 

وفي تقديري هناك سببان لاتساع وازدياد مَدِّ استخدام الحشيش في أمريكا. الأول هو الناحية الأمنية المتعلقة بتفشي ظاهرة تدخين الحشيش في المجتمع الأمريكي لدرجةٍ كبيرة ومتسارعة بحيث إن السلطات الرسمية في الولايات من أجهزة الأمن والقانون والسجون لا تتمكن من مواكبة وملاحقة هذه الأعداد المتعاظمة من المتعاطين للحشيش وتجريمهم، ومحاكمتهم، وإيداعهم في السجون والمعتقلات التي تشبعت بالمجرمين والمدانين بتهم مختلفة أشد خطورة بالنسبة لهم على المجتمع من تدخين سيجارة حشيش.

 

والثاني وهو في نظري الأهم لأنه عصب الحياة في أمريكا، وهو عماد قيام دولتهم، وهو الجانب الاقتصادي المالي البحت، فهناك مال عظيم يمكن جَنْيه من السماح للحشيش، وهناك ربح سريع وكبير يمكن الحصول عليه، وهناك أموال ضخمة ستدخل في جيوب المستثمرين من جهة وميزانية الولاية من جهةٍ أخرى من الضرائب التي تفرضها على الحشيش، وعلاوة على الجانب المالي فهناك الجانب المتعلق بخلق الوظائف وخفض مستوى البطالة في الولاية. فعلى سبيل المثال، تُدخل ولاية كُولُورَادُوا، وهي أول ولاية بدأت في بيع الحشيش للترفيه والتسلية في الأول من يناير 2014،أكثر من 13 مليون دولار شهرياً في ميزانيتها من ضرائب الحشيش. وتُقدر التقارير المختصة بأن إنتاج وتسويق وبيع الحشيش يساوي نحو ستة بلايين حالياً على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وسيرتفع بحلول عام 2026 إلى قرابة 50 بليون دولار، ويخلق أكثر من نصف مليون وظيفة بحلول عام 2020.أما في ولاية كاليفورنيا فإن سوق صناعة الحشيش تساوي قرابة سبعة بلايين دولار، وحصة الولاية من الضرائب تبلغ زهاء بليون دولار سنوياً.

 

ولذلك بالنسبة لأمةٍ رأسمالية مادية لا روحانية فيها، فإن إنتاج الحشيش وبيعه وتسويقه في المجتمع تجارة مربحة من جميع النواحي، وسيَسيلُ لعابهم جرياً وراء السماح له في كل بيت وفي كل ولاية أمريكية، كما حصل أمامنا بالنسبة للآفة الكبرى والوباء العظيم وهو تدخين سجائر التبغ.

 

وما أخافه فعلاً هو الضغط على دولنا في المستقبل القريب للسماح لبيع الحشيش من باب اتفاقيات التجارة الحرة، والسوق المشتركة، أو الابتزاز السياسي والأمني، وما إلى ذلك من المسميات التي لا تعد ولا تحصى.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق