الاثنين، 21 أغسطس 2017

سمكة بريئة تُرهب الولايات المتحدة الأمريكية


سمكة بريئة لا حول لها ولا قوة تُرهب المجتمع الأمريكي برمته، وتحيِّر علماء أمريكا، وتُدوِّخ رجال السياسة والاقتصاد منذ الستينيات من القرن المنصرم حتى كتابة هذه السطور، فأخبارها وأحوالها وشؤونها تفرض نفسها في الدراسات العلمية، وفي الصفحات الإعلامية، وفي البيت الأبيض وأروقة الكونجرس.

 

وآخر خبرٍ نزل في الصحف الأمريكية عن أحوال هذه السمكة وتحركاتها كان في الثامن من أغسطس من العام الجاري، ويتحدث هذا الخبر عن الجهود المكثفة التي تبذلها أمريكا لمنع هذه السمكة التي أرهبت الدولة من الدخول في منطقة البحيرات العظمى التي تُعد رئة الثروة السمكية في أمريكا، كما يورد الخبر توصية العلماء والمهندسين لاستخدام سلاحٍ جديد لمحاربة هذه السمكة المرعبة، ويتمثل في بناء جدارٍ صوتي فاصل في نهر ميسيسيبي لمنع غزو هذه السمكة وانتقالها من هذا النهر إلى هذه البحيرات.

 

فما هي قصة هذه السمكة الإرهابية التي تهدد أمريكا بيئياً واقتصادياً، وتحظى بهذا الاهتمام غير المسبوق من كل قطاعات المجتمع الأمريكي؟

 

يأتي المشهد الأول من أحواض نهر ميسيسيبي العظيم قبل أكثر من خمسين عاماً، عندما تم استيراد هذه السمكة التي تُعرف بالكارب الآسيوي (Asian carp) من آسيا لتوضع في مزارع تنمية الأسماك ومحطات معالجة مياه المجاري، ومع الوقت ننتقل إلى المشهد الثاني الذي غَرَس بذرة خبيثة في البيئة النهرية لأمريكا، حيث بدأت هذه السمكة الأجنبية الغريبة من الخروج من هذه البيئات المغلقة والدخول في عمق النهر.

 

وعندها تلاحقت المشاهد الدرامية وتسارعت أحداث هذه القصة، فوجود هذه السمكة الضخمة في بيئةٍ غير البيئة الطبيعية التي كانت تعيش فيها، أدى إلى إحداث خللٍ عظيم في توازن الكائنات الحية في نهر ميسيسيبي، فقضت يوماً بعد يوم على الأسماك التجارية الصغيرة، حتى بدأت أعداد هذه الأسماك التي يعيش عليها ملايين الأمريكيين في النقصان، ولم تكتف هذه السمكة باحتلال نهر ميسيسيبي والقضاء على أسماكه فحسب، وإنما بدأت تزحف رويداً رويداً حتى غزت البحيرات العظمى، وهنا اضطر العلماء إلى دق جرس الإنذار، وإعلان حالة الطوارئ القصوى.

 

ومنذ ذلك الوقت وعقول أمريكا تفكر في إبداع السلاح الفتاك الفاعل لمنع زحف هذا العدو الغاشم، وصرفت حتى الآن أكثر من 300 مليون دولار لمحاربة هذه السمكة الإرهابية، منها 50 مليون دولار خصصها أوباما لمنع دخول هذه السمكة إلى أهم مورد للثروة السمكية في أمريكا وهو البحيرات العظمى، فهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وقد فشلت كل الجهود السابقة لوقف زحف هذا العدو، ومنها وضع جدران كهربائية تحت الماء لصعق وإبعاد هذه السمكة.

 

وقد بلغت الجهود ذروتها عندما أعلن حاكم ولاية ميتشيجن في الثاني من أغسطس من العام الحالي عن مسابقة دولية أَطلق عليها "تحدي سمكة الكارب الغازية"، ودعا فيها الشعب الأمريكي وعلماء العالم كلهم لتقديم فكرة إبداعية للقضاء على هذا الإرهابي.

 

ولذلك نجد بأن ممارسة بريئة وبسيطة قام بها البعض دون دراسة معمقة ومتكاملة وشاملة أدت إلى هذه الكارثة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فالحذر الحذر من التدخل في شؤون البيئة دون علمٍ وخبرة ودراسة كافية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق