الجمعة، 13 أكتوبر 2017

العنصرية بلغت ذروتها في الولايات المتحدة الأمريكية



مازلتُ أتَذكر عندما كنتُ طالباً في جامعة أوستن بولاية تكساس الأمريكية في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، أَنَني أخذتُ مُقررين دراسيين إجباريين، أحدهما عن التاريخ الأمريكي والثاني عن الحكومة الأمريكية، وتعلمتُ من هذين المقررين بأن هناك عدة أسباب وعوامل معقدة ومتشابكة أدت على اندلاع الحرب الأهلية بين الاتحاديين من جهة والذين يدعون إلى وحدة ولايات أمريكا، والانفصاليين من جهة أخرين والذين يُمثلون ولايات الجنوب الأمريكية.

ومن هذه الأسباب التي لا خلاف عليها هي شرعنة العبودية وانتشار تجارة الرِق واسْتعبَاد الناس في بعض الولايات وتغلغل العنصرية والتفرقة بين السود والبيض، وتعمق سياسة عدم المساواة والتمييز حسب لون بشرة الإنسان، حيث قامت هذه الحرب الضروس للقضاء على العبودية ومنح الناس حقوقهم، فأعلن رئيس أمريكا حينئذٍ ومحرر العبيد إبراهام لينكولن إعلانه الشهير لتحرير العبيد في الأول من يناير 1863 ومنح الحقوق المدنية للعبيد المُحَررين، ثم تم إجراء تعديل بنود الدستور الأمريكي في عام 1865 ليُنهي رسمياً وعلى الورق "عهد العبودية" في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بالرغم من هذه القوانين التي تحرم العبودية، إلا أنها وبشكلٍ آخر وبأساليب غير مباشرة استمرت سياسات الفصل العنصري في واقع حياة الناس، ولم يتوقف التمييز الممنهج على حسب اللون والتفرقة العنصرية بين المواطنين الأمريكيين، مما أدى إلى ظهور حركات شعبية واسعة النطاق في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم بزعامة مالكوم إكس، ومارتن لوثر كينج الذي ناضل من أجل نيل الحقوق المدنية للسود وألقى خطبة في العاصمة واشنطن مازالت صداها ترن حتى يومنا هذا في عام 1963 تحت شعار "أنا لدي حُلم"، وقد كان حلمه أن يعيش كل مواطن أمريكي الأبيض منهم والأسود سواسية أمام القانون كأسنان المِشط، وفي النهاية ضحوا بحياتهم وكانت ثمناً لتحقيق هذه الحرية.    

وبالرغم من كل هذه الجهود المضنية والماراثونية التي استمرت أكثر من قرنٍ من الزمن، هل انتهت العنصرية بكل أشكالها ومظاهرها وأنواعها في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل تحققت العدالة الاجتماعية بين فئات الشعب الأمريكي؟

الواقع الذي أُشاهده أمامي كل يوم يؤكد لي بأن التمييز العنصري مازال متغلغلاً في نفوس بعض الأمريكيين، ومازالت بعض الممارسات تُعمق سياسة الفصل العنصري، ولذلك فالاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات لم تتوقف، وآخرها احتجاج الرياضيين الرمزي من خلال عدم الوقوف أثناء عزف السلام الوطني الأمريكي والذي بدأه لاعب فريق فرانسيسكو في كرة القدم الأمريكية كولن كيبرينك(Colin Kaepernick) عندما انحنى جالساً عند السلام الوطني، ثم قام لاعبون آخرون من فرق أخرى بالعمل نفسه، فانتشرت هذه الظاهرة مما أدى على تدخل الرئيس الأمريكي ترمب نفسه ليبدي انتقاده وانزعاجه من هذه الحالة الفريدة. 

وهذه التفرقة التي يعاني منها السود والأقليات الأخرى تجلت في صور ومظاهر جديدة تتمثل في العنصرية البيئية، أو عدم تحقيق العدالة البيئية بين المواطنين الأمريكيين، حيث أكدت الدراسات الميدانية أن معظم مواقع مدفن المخلفات، سواء أكانت المخلفات المنزلية أو المخلفات الصناعية الخطرة موجودة في مدن الفقراء والمستضعفين وغير المتعلمين الذين ليس لهم من يدافع عن حقوقهم كالسود والأقليات من الأصول اللاتينية.

واليوم أكدتْ دراسة منشورة في 25 سبتمبر من العام الجاري أن هناك تفرقة عنصرية بيئية وتمييزاً بين المواطنين من ناحية مستوى تعرضهم لنوعٍ من أنواع التلوث الفيزيائي وهو التلوث الضوضائي والناجم عن مصادر الضوضاء والأصوات المرتفعة والمزعجة والمهددة لصحة الإنسان، سواء من السيارات أو القطارات أو الطائرات أو المصانع. فقد أشارت الدراسة المنشورة في مجلة شؤون صحة البيئة تحت عنوان: "عدم المساواة في التعرض للضوضاء، صورة كاملة للولايات المتحدة الأمريكية"، أن هناك علاقة وثيقة بين حدة ودرجة التعرض للضوضاء والوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن الأمريكي، فالضوضاء بشكلٍ عام أثناء فترتي النهار والليل أعلى في المناطق ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني مقارنة بأحياء الأغنياء والأثرياء، أي أن مناطق الفقراء المعدمين وغير المتعلمين وذوي الدخل البسيط من السود والأقليات أشد تلوثاً من ناحية الضوضاء، وهذا الوضع البيئي بدوره ينعكس مباشرة على الوضع الصحي لهذه الفئة والطبقة للمجتمع لما للضوضاء من علاقة مباشرة بتدهور صحة الإنسان.

فمن الواضح إذن بأن السود والأقليات والفقراء المستضعفين في الولايات المتحدة الأمريكية مازالوا يعانون من عدم المساواة والتمييز والعنصرية بشتى أنواعها وأشكالها، بما في ذلك العنصرية البيئية، علماً بأن هذه الظاهرة انتشرت عدواها إلى الكثير من دول العالم، ولذلك على منظمات الأمم المتحدة الاهتمام بهذا الجانب المتعلق بتحقيق العدالة بين البشر من الناحية البيئية لما له من ارتباط مباشر بحق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة وسليمة خالية من الملوثات والأمراض.
     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق