الأحد، 22 أكتوبر 2017

حتى العسل الطبيعي أصبح ملوثاً!


ماذا تبقى لنا أن نأكل ونشرب وتطمئن قلوبنا وترتاح نفوسنا بأنه غير ملوث، وأنه خالٍ من المواد الكيميائية المسرطنة والضارة ببيئتنا وأمننا الصحي؟

 

وهل هناك الآن مصدر طبيعي للغذاء وماء الشرب على وجه الأرض نستطيع الاعتماد عليه في أنه لم يصبه داء التلوث، ولم يتعرض عن قريبٍ أو بعيد، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر للملوثات الموجودة في البر والبحر والجو وأعماق المحيطات المظلمة والغابات النائية والبيئات الثلجية البعيدة؟

 

فمن خبرتي المتواضعة واطلاعي على الأبحاث والدراسات كل يوم، أستطيع أن أُجزم وبكل ثقةٍ واطمئنان أنه لا يوجد الآن على سطح الأرض في أية بقعةٍ كانت، أي مصدرٍ طبيعي للغذاء أو الماء لم ينزل عليه بلاء التلوث أينما كان، ولو في بروجٍ مشيدة في أعالي السماء الشاهقة.

 

وأُقدم لكم اليوم مثالاً واحداً فقط يثبت زعمي هذا ويؤكد صحة قناعاتي، وهذا المثال هو عسل النحل الفطري، الطبيعي، النقي الذي مَدحهُ رب العالمين وجعله شفاءً لأسقام وعلل بني آدم، عندما قال في مُحكم كتابه: "وأَوْحى ربُّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بُيوتا ومن الشجر ومما يعْرشون، ثم كُلي من كل الثمرات فاسلُكي سُبُل ربك ذُلُلاً يخرج من بُطُونها شرابٌ مختلف ألوانُه فيه شِفاءٌ للناس إن في ذلك لآيةً لقوم يتفكرون.  

 

فهذا النحل الذي يعيش في البراري النائية، والجبال الشاهقة، والوديان الخضراء البعيدة عن أنشطة البشر ومصادر التلوث، فيُحلق في السماء بحثاً عن غذائه وقوت يومه فيغْدُوا خماصاً ويروح بِطاناً ليُكون لنا بعد هذا العناء والجهد اليومي الذي لا يتوقف العسل المصفى النقي المستخلص من خيرات الأرض الطبيعية ومن رحيق الأزهار الفطرية، فهذا العسل الذي نحسبه كذلك خالياً من الشوائب والأضرار، لم يسلم أيضاً من شر الملوثات، فلا يتوقع أحد منا ولا يخطر على باله بأن هذه الملوثات التي نُطلقها في السماء، أو المخلفات التي نتخلص منها، أو المبيدات التي نرشها في منازلنا أو مزارعنا ترجع إلينا مرة ثانية بطريقةٍ أو أخرى، بعد فترةٍ قصيرة أو طويلة من الزمن، فإما أن نتعرض لها مباشرة، أو أن نقع في شرورها بعد حِينْ من مصادر غير متوقعة كلياً، كعسل النحل في هذه الحالة.

 

وللتأكيد على واقعية هذه الظاهرة وتَعُرضنا لها دون أن نعلم، قام مجموعة من العلماء بجمع 198 عينة من عينات العسل في كل قارات العالم ومن جزر نائية بعيد عن عَبَث أيدي البشر، وأجروا عليها التحاليل المخبرية للتعرف على كمية ونوعية المبيدات الحشرية التي نستخدمها يومياً في هذا المنتج الطبيعي الفطري.

 

وجاءت النتيجة مُخَيبة ومخيفة في الوقت نفسه ومقلقة جداً للإنسان، فقد أكدت نتائج التحاليل حسب الدراسة منشورة في مجلة العلوم المرموقة في السادس من أكتوبر من العام الجاري تحت عنوان:حصر دولي للمبيدات في العسل"، بأن 75% من عينات العسل تحتوي على مبيدات حشرية تُستخدم بشكلٍ خاص في حقول المحاصيل الزراعية وتعد الأوسع استخداماً وانتشاراً على المستوى الدولي، وهي عبارة عن مجموعة من المبيدات تشبه النيكوتين الموجود في تبغ السجائر ويُطلق عليها نِيُونِيكوتينأويدز(neonicotinoids). وهذه المبيدات تعتبر ملوثات سامة وخطرة تضرب الجهاز العصبي المركزي، حيث إنها تنتقل بعد رشها على المحاصيل والتربة إلى عسل النحل والإنسان، فهي تترسب أولاً على التربة وتختلط بالماء وتذوب فيه، ثم مع الوقت تنتقل إلى جذور النباتات، ثم الساق والورق والزهرة والوردة، فتبدأ بالتراكم في هذه الأجزاء من النبات ويزيد تركيزها يوماً بعد يوم.   

 

ومن المفروض أن هذه الدراسة تدق ناقوس الخطر لعدة أسباب، منها العامل المتعلق بالأمن الصحي لبني البشر الذي يعتمد على عسل النحل كمصدر للغذاء والشفاء، ومنها العامل البيئي الخاص بالإخلال بالتوازن الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في البيئات الفطرية، حيث إنها تؤثر على وظيفة النحل ودوره في التوازن البيئي المتمثل في عدة مهمات منها وظيفة عملية التلقيح على مستوى جغرافي واسع، واعتماد المزارعين كلياً على هذه العملية الفطرية الطبيعية. وعلاوة على ذلك كله، وربما لا يدري عنه أحد، ولا يمكن توقعه أو التكهن بمردوداته هو كيفية ونوعية تأثير هذه المبيدات على المدى القريب والبعيد على صحة النحل، وصحة الكائنات الفطرية النباتية والحيوانية البرية وغير البرية، وأخيراً انعكاس ذلك كله على صحة بني آدم.

 

فهل بعد هذا نستطيع أن نثق فنقول بأن هناك مصدراً طبيعياً نقياً للغذاء خالياً من الملوثات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق