الجمعة، 20 أكتوبر 2017

هل السيارة الكهربائية هي الحل لأزمة تلوث الهواء؟



بدأ العالم برمته في التوجه كلياً نحو السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وشركات صناعة السيارات الكبرى اتخذت خطوات تنفيذية جادة للبدء في إنتاج السيارات الكهربائية على نطاق واسع، وكأن هذه السيارات هي الحل السحري الجذري والمستدام لجميع مشكلاتنا البيئية والصحية المتعلقة بنوعية الهواء، فهذه السيارات الكهربائية القادمة إلى الأسواق هي التي ستقضي على تلوث الهواء كلياً، وستجعل جودة الهواء ترجع إلى صفائها ونقائها ونظافتها كما خلقها الله سبحانه وتعالى خالية من التلوث والشوائب والمركبات الضارة لصحة بيئتنا وصحتنا.

ففي عام 2040 سيُعلن معظم مدن أوروبا العظمى الحرب الفورية والمباشرة على وقود الديزل والجازولين وكل الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري المستخلص من البترول، وسيتم الحظر التام عليها جميعاً، من حيث منع بيعها واستخدامها في جميع أنواع السيارات، الصغيرة منها والكبيرة.

فرؤية القارة الأوروبية المستقبلية التي أُطلقت في يوليو من العام الجاري، واستشرافهم لمصير السيارات التي نستعملها اليوم، وبالتحديد في مجال نوعية الوقود الذي يشغل السيارات، تتمثل في حظر بيع واستخدام السيارات التي تعمل بالديزل والجازولين بحلول عام 2040، والتحول كلياً إلى السيارات الكهربائية كبديل صديق للبيئة وعلاج لوباء تلوث الهواء القاتل للبشر والنبات والحجر.

كما أعلنت الشركات المصنعة للسيارات سياساتها واستراتيجياتها المستقبلية بالنسبة للجيل الجديد من السيارات التي سيقومون بإنتاجها، حيث أعلنت في الثاني من أكتوبر شركة جي إم الأمريكية العملاقة للسيارات والتي تُعد من أكبر منتجي السيارات في العالم عن خططها المستقبلية للولوج في عالم السيارات الكهربائية، وإنتاج عشرين نوعٍ منها بحلول عام 2023، منها ما يَستَخدم البطاريات الكهربائية، ومنها ما يعتمد على خلايا وقود غاز الهيدروجين، وهذا الإعلان يعتبر الطلاق الذي لا رجعة فيه للسيارات التي تعمل بالجازولين أو الديزل، والبدء في مرحلة تاريخية جديدة من صناعة السيارات. وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة فورد الأمريكية عن تشكيل "فريق إديسون" للقيام بتطوير السيارات الكهربائية، حيث إنها تعتزم صناعة 13 نوعاً خلال الخمس سنوات القادمة. كذلك تعهدت الشركات الألمانية مثل فولكس واجن ودايملر بإنتاج هذه السيارات، إضافة إلى الشركة السويدية فولفو، والشركات اليابانية.

وهذا التوجه الدولي نحو إنتاج السيارات الكهربائية يهدف إلى تحقيق عدة مصالح منها بيئية ومنها صحية، فالسيارات الكهربائية لا تنبعث منها أية ملوثات فهي بالتالي تُحسِّن من جودة الهواء الجوي من جانب وتحمي صحة الإنسان من جانبٍ آخر، كما أنها تقلل من انبعاث الغازات المتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون. كذلك فإن التوجه نحو السيارات الكهربائية يقلل من اعتماد الإنسان على الوقود الأحفوري الناضب وغير المتجدد.

ولكن مع كل هذه الايجابيات، فإن هذه السيارة الكهربائية لن تحل أزمة تلوث الهواء في المدن من جذورها، فهي تُسهم جزئياً في الحل وعلاج قضية تدهور الهواء المتشابكة والمعقدة، فهذه السيارات تنطلق من كوابحها وإطاراتها مع الاحتكاك بالشارع الكثير من الملوثات الضارة، وبخاصة الغبار أو الجسيمات الدقيقة، كما ستظل هناك مشكلة التخلص من المخلفات الصلبة التي تنجم عند تغيير البطاريات. وعلاوة على ذلك كله فإن مشكلة تلوث الهواء بشكلٍ عام لن تنتهي وإنما تنتقل من المدن إلى المناطق التي تولد الكهرباء لشحن بطارية السيارات الكهربائية.

ومن جانبٍ آخر هناك سلبيات السيارات الكهربائية مقارنة بسيارات الديزل والجازولين، فهي غير مرغوبٍ فيها حتى الآن، فسرعتها منخفضة، وتحتاج إلى شحن البطارية باستمرار، كما أن أسعارها غالية في الوقت الراهن، إضافة إلى عدم وجود البنية التحتية المتكاملة لدعمها، وبخاصة محطات شحن بطارية السيارة. ومن أجل تشجيع الناس على شراء السيارات الكهربائية، قامت بعض الدول بتقديم حوافز مادية وضريبية وتسهيلات لوجستيه، فعلى سبيل، أَعلنتْ دبي في العاشر من مايو من العام الجاري أنها ستقدم حوافز مادية لمن يشتري هذه السيارات، وستوفر مواقف مجانية داخل المدينة خاصة بها.  

وخلاصة القول فإن مشكلة السيارات بشكلٍ عام ودورها المشهود في تدهور نوعية الهواء الجوي وتعريض الناس للأمراض المزمنة والموت المبكر تُعد من أعقد القضايا التي يواجهها الإنسان منذ أن بزغ فَجْر صناعة السيارات، ولذلك فهي أَكْبَر وأعقد من أن يكون حلها في السيارة الكهربائية فقط، فعلاجها الجذري يكمن في تبني مجموعة متكاملة من الحلول التي تقوم بها كل الجهات الحكومية وغير الحكومية على المستويين الوطني والدولي، والسيارات الكهربائية ما هي إلا جزء يسير وبسيط يسهم في الحل الشامل والمستدام للأزمة الخانقة والمميتة التي تشكلها السيارات للمجتمع البشري.

                                                                                                                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق