الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

الآباء يتعاطون المخدرات والأبناء يُدمنون!


هل سمعتم عن ظاهرة إدمان الجنين على المخدرات عندما يكون نُطْفة أو عَلَقة في رَحم أمه ؟

 

وهل سمعتم عن إدمان الطفل الرضيع البريء بعد خروجه من بطن أمه على المخدرات، بحيث إن هذا الطفل إذا لم تُعط له جرعة من المخدرات فلن يتمكن من البقاء على قيد الحياة؟

 

هذه الظاهرة الكارثية التي انتشرت في العقدين الماضيين واستوطنت في المجتمع الأمريكي برمته، تُعد مؤشراً مشهوداً ودليلاً دامغاً قوياً لا غبار عليه ولا لَبْس فيه على إدمان المجتمع الأمريكي على تعاطي المخدرات بشكلٍ عام وعلى الإدمان على الهيروين والأفيون بشكلٍ خاص، بحيث إنه لم يسلم أي بيتٍ أمريكي، ولم تسلم أية أسرة أمريكية من هذه الآفة العصيبة استناداً على تقرير الهيئة الرئاسية العليا حول "مكافحة الإدمان على المخدرات وأزمة الأفيون" والتي أكدت في تقريرها المنشور في 31 يوليو من العام الجاري على حقيقةٍ بسيطة جداً قائلة "إن هذا الوباء إذا لم يُصبك أنت، أو أحد أفراد عائلتك حتى الآن، فإنه سينزل عليك عاجلاً حتماً وتُصاب به، إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات الصارمة لمكافحته".

 

فهؤلاء الأطفال المدمنون ذنبهم الوحيد فقط أن أُمهم مدمنة على تعاطي المخدرات ومسكنات الألم المدمنة كحبوب الأفيون وغيرها، حيث إنها تنتقل من الأوعية الدموية للمرأة الحامل إلى المشيمة ثم إلى مخ الجنين فتستقر وتتراكم في خلاياه، وعندما يخرج هذا الجنين المسكين من بطن أمه إلى الحياة الدنيا يواجه أول محنةٍ شديدة، وفتنةٍ عظيمة، فتنكشف عليه أعراض مرضية تتمثل في العرق الشديد، والقيء، والبكاء المستمر، وتصلب الجسم، إضافة إلى مشكلات في النوم والأكل.

 

وتشير الإحصاءات الرسمية المنشورة في أكتوبر من العام الجاري من مراكز منع والتحكم في الأمراض، أن هناك طفلاً واحداً مُدمناً على المخدرات يولد كل 25 دقيقة، كما أكد تقرير مجلة "النَشُنل جُويوجرافيك" العريقة في العدد الصادر في سبتمبر من العام الجاري، أن 22 ألف طفلٍ ولدوا مدمنين على المخدرات، وبزيادة قدرها أربع مرات خلال العقدين الماضيين. كذلك نشرت الواشنطن بوست تحقيقاً شاملاً في 16 أكتوبر من العام الحالي وبناءً على تقارير مراكز منع والتحكم في المرض بأن ستة أطفال من بين كل ألف طفل يولدون في أمريكا يكونون مصابين بالإدمان على المخدرات.

 

أما المحنة الثانية التي يواجهها هؤلاء الأطفال هو تخلي أمهاتهم عنهم ونبذهم لهم وهم يعانون في المستشفيات، فيكون بالتالي مصيرهم الانتقال إلى دُور ومراكز تبني الأطفال، حيث ارتفع العدد في هذه المراكز أكثر من 30 ألف في عام 2015 مقارنة بعام 2012.

 

فهذه الزيادة السنوية المطردة في أعداد الأطفال الذين يقاسون من وباء المخدرات هي انعكاس بيِّن وجلي لاستشراء وتجذر آفة تعاطي المخدرات في أعماق كل بيتٍ من بيوت الولايات المتحدة الأمريكية حتى بات ينخر في جسد أمريكا من الداخل، فقد نشرت مجلة التايمس في العدد الصادر في 29 أغسطس من العام الجاري تحقيقاً شاملاً تحت عنوان "الموت بسبب الأفيون يتضاعف منذ 2009 حتى عام 2015"، كما أكدت على هذه الحقيقة المرَّة الدراسة المنشورة في مجلة "سجلات الجمعية الأمريكية للأمراض الصدرية"، حيث أفادت بأن 22 ألف مريض دخلوا وحدة العناية القصوى في 162 مستشفيي في 44 ولاية بسبب جرعة زائدة من الأفيون خلال الفترة من 2009 إلى 2015، كذلك خلال الفترة نفسها زاد عدد الداخلين إلى قسم الطوارئ بنسبة 34%، وأعداد الذين انتقلوا إلى مثواهم الأخير فلقوا حتفهم في المستشفى تضاعف خلال السبع سنوات التي أجريت عليها الدراسة. أما الإحصاءات الإجمالية لتعاطي المخدرات عامة والأفيون خاصة فقد بلغت أرقاماً مخيفة ومفزعة حيث قدَّرت إدارة "خدمات الصحة العقلية وسوء استعمال المواد" في سبتمبر من العام الجاري العدد بنحو 11.8 مليون أمريكي يعانون من الأفيون بطريقة أو بأخرى، منهم قرابة 948 ألف يتعاطون الأفيون، وفي المقابل قدرت صحيفة التليجراف البريطانية في العدد الصادر في 21 أكتوبر أعداد المتعاطين للمخدرات في أمريكا بنحو 20 مليون، يموت منهم يومياً 150.

 

فهذه الطامة الكبرى وحالة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الأمريكي، اضطرت الرئيس الأمريكي ترمب في العاشر من أغسطس إلى إعلان حالة الطوارئ، حيث قال بأن وباء الأفيون في الولايات المتحدة الأمريكية يعد "حالة طوارئ قومية"، كما وصف هذه الآفة قائلاً: "مشكلة خطيرة لم نواجه مثلها من قبل"، كما أضاف: "سنصرف الكثير من الوقت ونبذل الكثير من الجهد والكثير من المال على أزمة الأفيون"، ولكن بالرغم من هذا الإعلان إلا أنه حتى كتابة هذه السطور لم يُصدر بعد ما يفعل تصريحاته على أرض الواقع، وبالتحديد من الناحية التشريعية ومن ناحية تخصيص الأموال اللازمة لمواجهة غزو هذا الغول للمجتمع الأمريكي.

 

فهذا الموت الجماعي البطيء للشعب الأمريكي بسبب المخدرات قد يُعادينا إذا اتبعنا سننهم وتبنينا سلوكهم وثقافتهم ونمط حياتهم، فالخبر المنشور في وسائل الإعلام البحرينية في 21 أكتوبر حول "شاب يقتل والده في قلالي تحت تأثير المخدرات" من المفروض أن يدق عندنا ناقوس الخطر، فنتحرك سريعاً حتى لا نصبح مثل أمريكا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق