السبت، 23 يونيو 2018

البيئة في كأس العالم


البيئة هي الركن الثالث للتنمية المستدامة التي تسعى دول العالم لتحقيقها منذ قمة ريو ودي جانيروا التي انعقدت في البرازيل عام 1992 وشارك فيها الكثير من رؤساء ورؤساء حكومات دول العالم، وهذه يعني أنه لا يمكن لأية دولة في العالم أن توفر الرخاء المادي والإزدهار الاقتصادي والانتعاش المالي لشعوبها إلا إذا التزمت فعلياً وتعهدت ميدانياً بالقيام بإجراءات صارمة وبرامج حازمة تصب في المحافظة على ثرواتها البيئية الفطرية الحية وغير الحية، ولا يمكن لاقتصاد الدولة أن يستديم في الانتعاش والنمو السليم إلا إذا تعهدت بتنفيذ أسس ومبادىء حماية كل مكونات وعناصر البيئة، من ماء وهواء وتربة وكائنات حية تعيش بيننا.

 

ولذلك اتفقت دول العالم وأجمعتُ على ضم البعد البيئي والركن المختص بصيانة الموارد البيئية الطبيعية في كل حركة للدول، وفي كل برنامج، وفي كل نشاط، وفي كل سياسة تضعها دول العالم، فعندما نشيد مصنعاً نضع هموم البيئة في المقدمة حتى لا تكون هناك تداعيات وأضرار تنشئ من إقامة المصنع على البيئة، وعندما نبني طريقاً أو شارعاً مزدوجاً أو عمارة تجارية أو سكنية فنتأكد عدم المساس بحقوق مكونات البيئية وعدم التعدي عليها، وعندما ندفن البحر عند الحاجة الماسة لذلك فيجب أولاً أن نحمي الكائنات البحرية التي تعيش في تلك المنطقة ونختار منطقة بحرية تعد الأقل أهمية والأقل ضرراً على البحر وعلى الإنسان.

 

والآن بلغ هذا الاهتمام العام حتى إلى مجال الرياضة بكل أنواعها وأشكالها وأحجامها، فكل الاتحادات الرياضية واللجان الأولمبية أكدت على إدخال الهم البيئي في الممارسات الرياضية والأنشطة والبرامج الرياضية بشكلٍ عام، وأجمعت على ضم شؤون البيئة كبعد رئيس في كافة الفعاليات والمنافسات الرياضية، سواء أكانت على المستوى المحلي الوطني، أو على المستوى الإقليمي، أو على المستوى الدولي.

 

ولذلك، وتنفيذاً لتعهداتها العلنية أمام الشعوب، والتزاماتها الأخلاقية تجاه عناصر البيئة، فقد قام الاتحاد الدولي لكرة القدم، أو الفيفا بوضع سياسات بيئية عامة منذ سنوات، وأقر استراتيجيات بيئية طويلة الأمد على جميع اتحادات الكرة في كل أنحاء العالم الالتزام بها، وتطبيقها أثناء مباريات كرة القدم المحلية أو الإقليمية، أو الدولية.

 

وهذه الإستراتيجية البيئية التي تُعرف الآن بـ "إستراتيجية الاستدامة"، على كافة المنسوبين تنفيذها سواء على مستوى اللاعبين، أو الإداريين، أو الجماهير، قبل وأثناء وبعد الانتهاء من مشاهدة المباريات في الملاعب.

 

ودورات كأس العالم في كرة القدم تُقدم أكبر فرصة سانحة لاستغلالها لتعميق ثقافة حماية البيئة، وتعزيز الوعي البيئي الشعبي العام، والتعهد بالقيام بسلوكيات وتصرفات بيئية مستدامة لا تضع بصمات سيئة على مكونات البيئة، فهذه المناسبة الكروية فرصة ذهبية لا تتكرر إلا كل أربع سنوات، ويجب عدم إضاعتها، حيث أفادت التقديرات أن أكثر من 3.4 بليون إنسان شاهد وتفاعل مع مباريات كرة القدم التي أُقيمتْ في روسيا، سواء مباشرة من خلال الحضور الشخصي لهذه المباريات والمشاركة الفعلية، أو من خلال مشاهدتها في التلفاز في المنزل، أو في الشوارع والميادين الرئيسة والمجمعات التجارية المغلقة، أو في المقاهي العامة، وهذا يعني أن نحو نصف سكان العالم تابعوا مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة هذه المباريات.

 

ولذلك فقد أكدت اللجنة الروسية التي نظمت كأس العالم في عدة مناسبات قبل وأثناء المنافسات بأن هذه النسخة الروسية من كأس العالم ستكون غير سابقاتها من الدورات، وأكدت بتعهداتها في أن تكون هذه الدورة أكثر "صداقة للبيئة وأكثر استدامة"، أي أنها سـتأخذ البعد المتعلق بالبيئة في كل الأنشطة والإجراءات التنفيذية التي ستقوم بها داخل وخارج الـ 12 ملعباً التي شَهدتْ المنافسات الكروية.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ركزت اللجنة المنظمة على المخلفات البلاستيكية التي تعد الآن أكبر تهديدٍ لسكان الأرض من إنسان وحيوان، حيث وضعت حاويات خضراء اللون داخل وخارج الملاعب من أجل تدوير بعض مكونات المخلفات الصلبة، وبخاصة البلاستيك، إضافة إلى تصميم سيارات خاصة تجمع العبوات البلاستيكية وتحولها إلى منتجات استهلاكية يستخدمها الناس كالملابس والحقائب والأكياس.

 

ولذلك علينا أن لا نُفوت أية مناسبة رياضية على أي مستوى كانت، فمن خلالها نتمكن من رفع الوعي البيئي، وتبديل اتجاهات الشعوب، وتغيير السلوكيات العامة لتكون أكثر استدامة، وأشد رفقاً بكوكبنا.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق