الثلاثاء، 26 يونيو 2018

اجتماع لجنة التراث العالمي ومحمية جزر حوار


مازلتُ أتذكر شهر يونيو من عام 2004 عندما جهزتُ نفسي، وحملتُ حقائبي استعداداً للسفر بعيداً، وبالتحديد إلى مدينة سوزهو(Suzhou) في الصين للمشاركة في الاجتماع رقم (28) للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(اليونسكو)، وكنتُ في ذلك الوقت أحملُ حِملاً ثقيلاً لأقدمه أمام هذا الاجتماع الدولي الهام، والذي تمثل في طلب مملكة البحرين في إدراج محمية جزر حوار على قائمة التراث العالمي.

                                                   

وقد استندتُ في إعدادي لملف "محمية جزر حوار" على عدة أسس رئيسة منبثقة أولاً من قوانين وتشريعات مملكة البحرين التي تؤكد اهتمامها ورعايتها للتراث الفطري الطبيعي وصيانة وحماية التنوع الحيوي، حيث جاء في الفصل الثاني تحت عنوان: المقومات الأساسية للمجتمع، المادة 9 ح: "تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية"، كما أكدت المادة 11 على أن: "الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني".

 

وفي المقابل دعم ميثاق العمل الوطني هذه التوجهات الوطنية الدستورية المعنية بالبيئة وحماية مواردها الطبيعية والمحافظة على ثرواتها الحية وغير الحية، حيث ورد في الفصل الثالث، المادة الخامسة حول: البيئة والحياة الفطرية: "نظراً للضغط المتزايد على الموارد الطبيعية المحدودة، فإن الدولة تسعى إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والتنمية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن، كما تأخذ في عين الاعتبار التوجهات العالمية في منع ومعالجة المشكلات البيئية الكبرى، وذلك من خلال وضع استراتيجية وطنية لحماية البيئة واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير التشريعية المناسبة للحد من التلوث من مصادره المختلفة وتوفير التسهيلات للشركات الصناعية للتحول للإنتاج النظيف، وضرورة إجراء دراسات التقييم البيئية قبل البدء في تنفيذ المشاريع. من ناحية أخرى تقوم الدولة بالمحافظة على الحياة الفطرية وخاصة البيئات الطبيعية المتنوعة التي تتميز بها البحرين بما في ذلك مكوناتها الحيوانية والنباتية من خلال وضع الخطط المناسبة لاستخدام الأراضي وإدارة المناطق الساحلية وإنشاء منظومة من المحميات الطبيعية على غرار محمية العرين ومحمية جزر حوار والمياه المحيطة بها، والتي تأتي أهميتها على المستوى العالمي نظراً لما يتواجد فيها من حيوانات وطيور نادرة".

وعلاوة على هذه البنود المتعلقة بحماية البيئة عامة والحياة الفطرية خاصة وإنشاء المحميات الطبيعية، فقد أعلن مجلس الوزراء في القرار رقم (16) لعام 1996 في 16 سبتمبر 1996 بأن "جزر حوار والبحر المحيط بها محمية طبيعية بهدف المحافظة على البيئة الطبيعية لمختلف أنواع الكائنات الفطرية في البحر والبر وحماية الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض".

 

فهذه القوانين العامة ذات العلاقة بالبيئة والحياة الفطرية، وبخاصة محمية جزر حوار انبثقت من الخصوصية البيئية لجزر حوار على المستويين الوطني والدولي، وهذه الخصوصية الفريدة تكمن في أنها تحتوي على عدة بيئات عذراء بكر لم تمسها أيدي البشر ولم تعبث بحرماتها ولم تتعد على حقوقها، وهذه البيئات البكر تعتبر اليوم من العملات النادرة التي يصعب الحصول عليها، حيث التلوث ضرب أطنابه في كل بيئةٍ صغيرةٍ أو كبيرة، قريبة أو بعيدة في العالم.

 

كما أن خصوصيتها تتمثل في أنها الحضن الدافئ والآمن للكثير من أنواع الكائنات الفطرية النادرة والمهددة بالانقراض في البر والبحر، سواء أكانت المستوطنة التي تعيش معنا، أو المهاجرة التي تزورنا للتمتع بأجوائنا الدافئة هروباً من قسوة فصل الشتاء. فجزر حوار تستضيف أكبر تجمعٍ لغراب البحر السوق طري(اللوه) على مستوى العالم، حيث يتكاثر نحو مائة ألف زوج من هذه الطيور في جزيرة سواد الجنوبية ، وجزر حوار أيضاً المكان الآمن لطير صقر الغروب الأسود اللون(شرياص حوار)، الذي يأتي من موزمبيق وجزر سيشل ليتكاثر عندنا، إضافة إلى عقاب السمك، كذلك جزر حوار تضم قرابة ستة آلاف من قطعان بقر الصيد التي تسكن في البيئات البحرية الساحلية، وبخاصة في منطقة الحشائش.

 

والآن مع هذه الخصوصية الفطرية الحية وغير الحية الفريدة من نوعها التي تتميز بها هذه الجزر، علينا أن نستمر في حمايتها وصيانتها ورعايتها لنا وللأجيال القادمة من بعدنا. فسنواجه قريباً تحديات جِسام، معقدة، وعصيبة، تتمثل في كيفية إحداث التوازن بين متطلبات التنمية، من حيث تطوير هذه الجزر وتنميتها سياحياً، وإقامة المنشآت والمرافق السياحية العامة عليها من جهة، ومتطلبات والتزامات حماية الحياة الفطرية النادرة والمهددة بالانقراض.

 

فالأسئلة الخطيرة التي نقف أمامها اليوم وبحاجة إلى إجابة متأنية ومتوازنة تأخذ في الاعتبار كل متطلبات تحقيق التنمية المستدامة، هي:

كيف ننمي جزر حوار دون أن ندمر ثرواتها؟ وكيف نعمرها دون أن نفسدها ونعكر صفوها؟ وكيف نحقق التوازن الدقيق والتعايش السليم والمستدام بين الإنسان وأنشطته وبرامجه التنموية وبين حماية ثرواته الطبيعية من حياة فطرية حية وغير حية؟  

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق