الأحد، 3 يونيو 2018

السيارات الكهربائية خَيارُنا لمجتمعٍ مستدام


معظم مدن العالم تعاني من أزمة خطيرة متفاقمة، وتقاسي من مشكلة تهدد استدامتها ولا تعرف حتى الآن كيفية إدارتها بأسلوبٍ سليم وصحيح بيئياً وصحياً واجتماعياً، فتقف عاجزة أمام تداعياتها وانعكاساتها على كافة أفراد المجتمع، فمشكلة الزيادة المطردة في أعداد السيارات تحولت منذ سنوات إلى ظاهرةٍ سلبية عصيبة وخانقة تشكو منها مدن العالم على حدٍ سواء، الفقيرة منها والغنية، المتقدمة منها والنامية، فالجميع سواسية أمام هذه الأزمة المتعاظمة.


 


ونظراً لتعقيد هذه الأزمة وتشابكها وترابطها مع عوامل كثيرة أخرى مختلفة، فإن علاجها الجذري الدائم صعب جداً، ولا يمكن حلها إلا من خلال تنفيذ العديد من الوسائل والطرق، وتبني مجموعة متكاملة من الحلول في الوقت نفسه، والتي يسهم كل منها في الحل المتكامل والشامل، إضافة إلى تعاون كافة الجهات المعنية لمواجهة تحدياتها، سواء على مستوى الدولة نفسها، أو على مستوى الشركات والمصانع المنتجة للسيارات، أو على مستوى التعاون المشترك والتنسيق بين دول العالم برمتها.


 


فأحد الحلول المطروحة الآن للإسهام في علاج أزمة الملوثات القاتلة التي تنبعث من السيارات هو استبدال الوقود المستخدم في تشغيل السيارات من أنواع الوقود الأحفوري الناضبة والملوثة للبيئة والمهلكة لصحة الإنسان إلى الوقود النظيف والصديق للبيئة وسلامة الإنسان والمتمثل في السيارات الكهربائية، علماً بأن القارة الأوروبية أعلنت بأنها بحلول عام 2040 ستحيل جميع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري إلى التقاعد.


 


ولكي يكون هذا الحل ناجحاً ومستداماً فهناك حاجة لتنسيق الجهود والعمل بشكلٍ تعاوني مشترك على كافة المستويات والتغلب على التحديات الواقعية والعملية التي تواجه هذا النوع الجديد من السيارات المطروحة الآن في الأسواق.


 


أما المستوى الأول فيكون من داخل الدولة نفسها بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص من خلال اتخاذ الإجراءات والخطوات العملية والتنفيذية اللازمة لتسهيل عملية دخول هذه السيارات إلى داخل البلاد والتأكد من رغبة الناس في شرائها، ومن هذه الإجراءات التي أقترحها ما يلي:


أولاً: دعم الحكومة وخفض الضرائب المفروضة على هذه السيارات الكهربائية لتكون أسعارها منافسة لسيارات الجازولين والديزل، فيُقبل الناس على شرائها، وهذه الآلية والأداة الاقتصادية تتبناها الكثير من دول العالم اليوم لتشجيع وتحفيز الناس.


ثانياً: إنشاء البنية التحتية المناسبة للسيارات الكهربائية وتعميمها وتوزيعها في كافة أرجاء المدن، وبالتحديد محطات شحن بطارية السيارات، إضافة إلى توفير محطات وورش الصيانة المتكاملة والسريعة، وتدريب العاملين والحرفيين على التعامل مع هذا النوع الجديد من السيارات.


ثالثاً: رفع وتعزيز الوعي الشعبي بأهمية شراء السيارات الكهربائية حفاظاً على صحتهم في المقام الأول وأمن وسلامة البيئة في المقام الثاني.


 


أما المستوى الثاني فيقع على عاتق الشركات المنْتجة والمصنعة لهذه السيارات من حيث جعلها منافسة من جميع النواحي لسيارات الجازولين والديزل، وبالتحديد من ناحية خفض سعر السيارة أولاً، ومن ناحية إطالة الفترة الزمنية التي تحتاجها لشحن البطارية كل مرة ثانياً، وأخيراً من ناحية جعلها أكثر سرعة على الطريق. 


 


وختاماً أود التأكيد على نقطة هامة جداً هي أن السيارات الكهربائية ليست هي الحل الجذري والشامل لعلاج مشكلة السيارات في المدن، فالسيارات الكهربائية ما هي إلا جزء يسير يُسهم في الحل المتكامل، فمشكلة السيارات أعمق وأشد تعقيداً وتشابكاً من أن يكون حلها في أداة واحدة فقط. فأبعاد مشكلة السيارات تتمثل في عدة قضايا ولكل كل بعد مجموعة من الحلول، منها أولاً التلوث الناجم عن عوادم السيارات، وهناك عدة وسائل وطرق من ضمنها السيارات الكهربائية التي تُسهم في الحل، ثم هناك قضية الازدحام المروري والاكتظاظ الشديد للسيارات في معظم مدن العالم، وهذه في حد ذاتها تحتاج إلى مجموعة جديدة من الحلول الإبداعية لتخفيف حدتها وخفض أضرارها، وهناك أيضاً قضية المخلفات التي تنجم عن السيارات أثناء عملها وبعد الانتهاء من عمرها، مثل المخلفات الزيتية السائلة والمخلفات الصلبة كالبطاريات والمرشحات والكابحات، إضافة إلى مخلفات السيارة برمتها.


 


فمشكلة السيارات لا يمكن التهاون فيها فهي تمثل الآن التحدي الأكبر الذي تواجهه البشرية، وتعد الأشد تهديداً وتنكيلاً للصحة العامة في كل مدن العالم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق