الجمعة، 20 يوليو 2018

ما معنى إزدياد محلات السجائر الإلكترونية في بلادنا؟


لفت انتباهي شخصياً في الأشهر القليلة الماضية الازدياد المشهود والملحوظ في أعداد محلات بيع معدات وأدوات هذه الآفة الجديدة التي يُطلق عليها السجائر الإلكترونية في الأحياء بشكلٍ خاص، ولا أدري ما الحكمة من سماح الجهات المعنية في بلادنا من الاستعجال في إعطاء التراخيص لمثل هذه المحلات المتخصصة التي تبيع مُنتجاً مشبوهاً على المستوى الدولي بسبب الأضرار المهلكة التي يوقعها على البيئة من جهة وعلى الإنسان المدخن ومن يجلس حوله من جهةٍ أخرى؟

فالدراسات الطبية والبيئية الموثوقة التي تُنشر في مجلات علمية تؤكد خطورة هذا المنتج وتهديده المباشر للصحة العامة، بالرغم من الإدعاءات الكاذبة والمضللة لشركات التبغ والسجائر وبعض الأقلام والأبحاث المأجورة بأنها أقل ضرراً وأنها وسيلة للعزوف عن تدخين سجائر التبغ التقليدية المعروفة. 

أما من الناحية البيئية فهناك مئات الملوثات التي تنبعث عند تسخين "مخلوط السائل" الذي يحتوي على النيكوتين الخالص المركز ونحو 7000 مادة مضافة سرية لا يعلم أحد عن هويتها تستخدم لتحسين المذاق العام وإعطاء نكهات خاصة تُرضي كل الأذواق والأهواء والرغبات، ومن هذه الملوثات العناصر الثقيلة السامة حسب الدراسة المنشورة في الرابع من يونيو من العام الجاري في مجلة أمريكية اسمها "شؤون صحة البيئة" تحت عنوان:"تركيز العناصر في مخلوط السائل والبخار الناجم عن تدخين السجائر الإلكترونية"، حيث أكدت انبعاث العناصر الثقيلة السامة والمسرطنة من السجائر الإلكترونية، مثل الكروميوم، والرصاص، والنيكل، والكادميوم، والزرنيخ. كذلك أفادت عدة دراسات قامت بتحليل الملوثات التي تنبعث عند تسخين هذه المضافات، منها الدراسة المنشورة في مجلة شؤون صحة البيئة في الأول من يونيو عام 2016، ودراسة أخرى صدرت في مجلة تقنيات علوم البيئة في 17 أغسطس 2017، حيث أفادت بأن من أخطر الملوثات التي تنتج عند تسخين هذه النكهات مركب اسمه "الداي أستيل" وهو يعرف بأنه يسبب حالة مرضية تنزل على الرئة يُطلق عليها رئة الذرة الصفراء(popcorn lung)، كما أثبتت دراسة نُشرت في مجلة تقنية علوم البيئة في الثامن من نوفمبر 2016 على انبعاث ملوثات مسرطنة من تدخين السجائر الإلكترونية مثل البنزين، الفورمالدهيد، والجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر، وأُوكسيد البروبلين(propylene oxide).

ومن الناحية الصحية وتأثيرها المدمر لأعضاء جسم الإنسان، فقد بدأت الدراسات تخرج رويداً رويداً لتكشف هذه الأضرار، منها الدراسة المنشورة في 15 يونيو من العام الحالي في المجلة المختصة بعلم أحياء الأوعية، والتخثر، وتصلب الشرايين (Arteriosclerosis, Thrombosis and Vascular Biology) والتابعة للجمعية الأمريكية للقلب، حيث خلصت إلى أن تدخين السجائر الإلكترونية بشكلٍ يومي يضاعف من مخاطر التعرض لأمراض القلب وتلف الأوعية الدموية والسقوط في السكتة القلبية.

وأخيراً من الجانب الاجتماعي فقد أكدت الأبحاث على معاناة الشعوب من إزدياد إقبال الشباب على هذه الآفة المرضية الجديدة والوباء الذي بدأ يستشري في جسم الشباب ويغزو المجتمعات، ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نشرت المحطة الإخبارية الـ سي إن إن في السادس من أبريل من العام الجاري تحقيقاً تحت عنوان "تدخين السجائر الإلكترونية وباء في المدارس الأمريكية"، وأكدت فيه أن نحو 1.7 مليون طالب أمريكي استعملوا هذا المنتج المهلك للبدن خلال شهر واحد حسب إحصائية استعمال الشباب للتبغ، كما أفاد المسؤول الأمريكي الأول المعني بالصحة العامة والذي يسمى "الجراح العام" في تقريره بأنه لاحظ زيادة مطردة ومخيفة تصل إلى 900% في استعمال طلبة المدارس للسجائر الإلكترونية في الفترة من 2011 إلى 2015. وعلاوة على ذلك فقد نشرت دراسة في 18 سبتمبر 2017 في مجلة الطب الوقائي وخرجت باستنتاج مهم هو أن الشباب الذين يجربون تدخين السجائر الإلكترونية تتضاعف عندهم مخاطر السقوط في شباك تدخين السجائر التقليدية المعروفة، فالطلاب من مستوى السابع إلى 12 الذين جربوا السجائر الإلكترونية زادت عندهم قابلية التدخين بـ 2.16 مرة.

ولذلك فمن الواضح بيئياً وصحياً واجتماعياً بأن هذه البدعة الجديدة التي أطلقتها شركات التبغ لتعوض بعض خسائرها من بيع سجائر التبغ التقليدية، لها أضرار فادحة وعظيمة على صحة الفرد والمجتمع وبدأت آثارها المهلكة تتضح شيئاً فشيئاً كل يوم.

والسؤال الذي أطرحة على الجهات المعنية بالسماح ببيع "التبغ عامة"، سواء على شكل سجائر التبغ التقليدية، أو المدواخ، أو الشيشة، أو السجائر الإلكترونية هو لماذا نهدم صحة أطفالنا وشبابنا وشيوخنا بأيدينا وقد أجمع المجتمع الدولي أن هذه المنتجات جميعها تؤدي إلى السقوط في أمراض مزمنة ومستعصية وعلى رأسها 12 نوعاً من أنواع مرض السرطان الخبيث؟

أليست الوقاية خير من العلاج؟Log In
Supported by


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق