الخميس، 5 يوليو 2018

لماذا يسْتَميتْ الغرب في تَحْليل الحشيش؟


نصح اللورد البريطاني ويليم هيج (William Hague) زعيم حزب المحافظين السابق رئيسة الوزراء بكل جرأة وصراحة ووضوح مصرحاً أمام الملأ في مقالٍ نشره في صحيفة الديلي تليجراف البريطانية في 18 يونيو من العام الجاري، حيث قال: “لقد خسرنا كُلياً وبدون رجعة الحرب ضد الحشيش(الماريوانا)، وعلينا السماح بتعاطيه"! كما حذر في مقاله قائلاً علينا أن نُحدث تغييرات جذرية في سياساتنا المتعلقة بالحشيش، ونكون مخدوعين إذا ظننا بأننا سننجح في منع تعاطي الحشيش ومنعه من شوارعنا، علماً بأن هذا الزعيم لحزب المحافظين كان في السابق من أشد السياسيين دعوة لمنع استخدام الحشيش، والآن بعد أن طفح الكيل وتحول الشعب إلى مدمن للمخدرات وبالتحديد الحشيش، أعلن خسارته أمام الحرب ضد الحشيش ورفع العلم الأبيض مستسلماً للواقع المر الذي يعاني منه المجتمع البريطاني.

وجدير بالذكر أن هذه الدعوة لفك القيود عنالحشيش أو الماريوانا أو نبات القِنب(cannabis) ورفع الحظر عن تعاطيه ليس هي الأولى من نوعها في بريطانيا، فقدوَقفَ عضو مجلس العموم البريطاني من حزب العمال بول فلين (Paul Flynn) يوم 18 يوليو 2017 في إحدى جلسات المجلس، وهو يصرخ بكل شغفٍ وحرقة أمام الجميع وكأنه يعاني من أمرٍ ما قائلاً لزملائه البرلمانيين وللناس كافة: "خالفوا القانون... دخنوا الحشيش في البرلمان وتحدوا الحكومة والسُلطات..".

فقد كان هذا النائب العُمالي يُوجه هذا النداء العاطفي والقوي والمتَمرِّد على النظام والقانون في سياق مناقشة المجلس لسياسة التعامل مع المخدرات والخمر والمواد الأخرى التي تقع في هذا القائمة، فيدعو إلى السماح رسمياً باستخدام الحشيش أو الماريوانا أو القنب(cannabis) في مجال الطب والدواء والعلاج.

وفي تقديري هناكأربعة أسباب تقف وراء هذه الدعوات المستميتة والجري بسرعة للسماح لاستخدام الحشيش، أما الأول فهو من الناحية العملية والواقعية، حيث إن هناك صعوبة شديدة الآن في منع استخدام الحشيش لإدمان الكثير من الشعوب الغربية عليه، وبالتحديد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فالحشيش متوافر بشكل غير رسمي في كل مدن الدول الغربية، وأجهزة الأمن الآن من شرطة ورجال القانون والقضاة والمحاكم لا يستطيعون مواكبة وملاحقة هذه الأعداد المتزايدة من المتعاطين للحشيش وتجريمهم، ومحاكمتهم، وإيداعهم في السجون والمعتقلات التي تشبعت بالمجرمين والمدانين بتهم مختلفة أشد خطورة بالنسبة لهم على المجتمع من تدخين سيجارة حشيش. إضافة إلى الكلفة المالية الباهظة التي تتحملها ميزانية الدول لتجريم كل من يستعمل الحشيش، أو يبيعه، أو يسوقه، والعبء الاقتصادي الثقيل الذي ينجم عن محاكمة الملايين من المتعاطين للحشيش، ثم إيداعهم في السجون ورعايتهم من جميع النواحي أثناء بقائهم في السجن، ولذلك من الأجدى إقتصادياً تحليل الحشيش وتقنين استخدامه ورفع هذا العبء المالي عن كاهل الدول وخفض النفقات المرتبطة بالحشيش.

أما السبب الثاني فتحليل الحشيش مجدي من الناحية الاقتصادية، وهناك مبالغ مالية ضخمة ستدخل في ميزانية الدول التي تعاني أصلاً من شيخوخة ومن عجزٍ كبير، وذلك من الضرائب والرسوم التي ستفرضها على استخدام وبيع الحشيش وعلى المحلات التجارية والمزارع التي تتعامل مع الحشيش. فعلى سبيل المثال تقدر الدراسات بأن سوق الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تساوي24بليون دولار،وبحلول عام 2026سيرتفع إلى قرابة 50 بليون دولار، وفي عام 2017 بلغت إيرادات أمريكا من ضرائب الحشيش قرابة 745 مليون دولار. أما على مستوى الولايات، فقدأدخلت ولاية كُولُورَادُوا، وهي أول ولاية بدأت في بيع الحشيش للترفيه والتسلية في الأول من يناير 2014،أكثر من 13 مليون دولار شهرياً في ميزانيتها من ضرائب الحشيش، وفي ولاية كاليفورنيا فإن سوق صناعة الحشيش تساوي قرابة سبعة بلايين دولار، وحصة الولاية من الضرائب تبلغ زهاء بليون دولار سنوياً.أما كندا التي وافقت على السماح لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية وللتسلية والترويح عن النفس في 20 يونيو من العام الجاري فتتوقع إيرادات إلى خزانة الدولة من سوق الحشيش التي تقدر بنحو 7 بلايين دولار كندي.

والسبب الثالث الذي يجعل لعاب رجال السياسة وصناع القرار يسيل فرحاً هو عدد الوظائف الذي سينكشف بسبب تحليل الحشيش ودوره في خفض مستوى البطالة، من حيث العمل في حقول ومزارع الحشيش، والعمل في المواصلات والنقل، والعمل في المحلات التي تفتح لبيع الحشيش، وما إلى ذلك من الوظائف التي ستتوفر للناس ولها علاقة بالحشيش، حيث أفادت الدراسات بأن الحشيش سيخلق أكثر من نصف مليون بحلول عام 2020 في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأما السبب الرابع فهو وقوف الشعوب في هذه الدول الغربية مع صناع القرار في السماح لاستعمال الحشيش لأغراض طبية أو شخصية، ففي آخر استطلاع للرأي قامت به شركة بو ريسرش(Pew Research) وافق 61% من الأمريكيين على استخدام الحشيش، علماً بأن نسبة الموافقين ترتفع كل سنة.

فكل هذه الأسباب تُقنع أية دولة "رأسمالية" و "علمانية" لا تؤمن إلا بالناحية المادية المالية البحتة، ولا تتقيد بثوابت أخلاقية إنسانية، وقيم ومبادئ عليا وسامية، إلى السماح للحشيش، وربما في السنوات القادمة للأفيون والهيروين وغيرها من المخدرات المدمنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق