الثلاثاء، 7 مايو 2019

شكولاتة محْشُوه بالحشيش!

 
عندما كنتُ طالباً في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم ثم في مانشستر في بريطانيا، كنت دائماً أطَّلعُ بعناية وبدقة شديدين على قائمة المحتويات عندي شرائي لأية مادة غذائية، سواء أكانت تُؤكل أم تشرب، وكانت قراءة قائمة المحتويات وما تتكون منها هذه المادة الغذائية مهمة شاقة وصعبة، فقائمة المحتويات عادة ما تكون مكتوبة بخطٍ صغيرٍ جداً لا يكادُ يُقرأ أو يفهم في بعض الحالات. وكان الهدف من وراء القيام بذلك هو تجنب أمرين حرمهما رب العالمين في كتابه الكريم، الأول هو أكل لحم الخنزير أو مشتقاته من دهون وغيرها التي تضاف عادة في الكثير من الأطعمة، والثاني شرب الخمر عن طريق إضافة الخمر إلى بعض المواد الغذائية، وبخاصة الحلويات وبالتحديد الشكولاتة. 

وعلاوة على مكونات الخنزير والخمر التي عادة ما تُضاف إلى بعض الأطعمة، فإن هناك اليوم مادة أخرى مُحرمة أيضاً وضارة بصحة الإنسان بدأتْ بعض الدول بوضعها في الأطعمة، وبخاصة الحلويات، وهذه المادة هي الحشيش، أو الماريوانا. فمنذ أن بدأتْ بعض دول العالم بتحليل استخدام الحشيش والسماح له لأغراض شخصية وللترفيه والترويح عن النفس، وبخاصة في بعض الولايات الأمريكية، استغلتْ بعض الشركات هذه الفرصة الذهبية السانحة لكسب المزيد من المال وتحقيق ثروة طائلة، فصَنعتْ أطعمة لذيذة ومغرية محشوة بالحشيش، وتبيعها وتسوقها على عامة الناس، إما من خلال محلاتها المنتشرة في كل مكان، أو عبر الإنترنت والبريد، مما قد يعني بأنني وأنا في البحرين أستطيع شراء هذه الأطعمة المخدرة تحت مُسمى "الحلويات".

فعلى سبيل المثل، نَشرتْ صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية تحقيقاً في 26 مارس من العام الجاري تحت عنوان: "الحشيش الذي يُؤكل قد يسبب مخاطر"، وهذا التحقيق ينطلق أساساً من الدراسة المنشورة في مجلة"سجلات الطب الباطني"(Annals of Internal Medicine) في 26 مارس من العام الجاري تحت عنوان: "أمراض حادة مرتبطة باستخدام الحشيش، دراسة حالة". وقد هدف البحث الميداني هذا على دراسة الحالات المرضية التي تدخل قسم الطوارئ في مستشفى في مدينة دينفر بولاية كولورادو الأمريكية بسبب تعاطي الحشيش، إما عن طريق التدخين أو الأكل المباشر للحلويات أو الأطعمة الأخرى التي تحتوي على الحشيش. فخلال فترة الدراسة من 2014 إلى 2016، استقبل قسم الطوارئ بالمستشفى 9973 حالة بسبب الحشيش، منها 2567(25.7%) لها علاقة بتدخين الحشيش عن طريق السجائر، ومنها 238(9.3%) لها علاقة بأطعمة الحشيش. وقد قامت الدراسة بفحص هؤلاء المرضى ودراسة الأعراض التي يعانون منها بسبب الحشيش، وأغلب الأعراض تمثلت في اضطرابات في الجهاز الهضمي، وسرعة أو عدم انتظام دقات القلب، إضافة إلى تغييرات جذرية في السلوك والحالة النفسية والعقلية، كما أن هناك بعض المرضى الذي قضى نحبه ولقي حتفه في المستشفى. وقد خلصت الدراسة إلى أن إضافة الحشيش إلى الأطعمة يسبب الكثير من الحالات المرضية الطارئة والمستعجلة، ولذلك فوضع الحشيش في المواد الغذائية لا يقل خطورة عن تعاطي سجائر الحشيش بشكلٍ مباشر، ويُعزى السبب في ذلك إلى أن تأثير سجائر الحشيش على الفرد مباشر وفوري ويظهر خلال دقائق معدودة، ولكن أضرار الحشيش من خلال الفم أو المأكولات المحشية بالحشيش تأخذ وقتاً أطول لتنكشف على الإنسان، مما يعني أن الإنسان سيتناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة لأن تأثيرها لا يظهر بشكلٍ فوري، حيث إن الجسم يأخذ وقتاً أطول لامتصاص المادة المخدرة في الحشيش.

ولذلك فإن قضية المخدرات المتمثلة في الحشيش بدأت تتشعب وتتعقد مع الزمن، وأخذت بعض الدول تستغله لأغراض تجارية وربحية، وفي الوقت نفسه قامت شركات الجشع والمال بالترويج للحشيش لاستخدامات طبية، أو استخدامات شخصية للترفيه والتسلية، كما تقوم أيضاً بتسويقه وتجنيد كل مرتزقيها لتلميع صورة الحشيش أمام العالم، وتبرأته من أي ضررٍ على صحة البشر.

ومن الدول السيئة السمعة والمشبوهة وعادة ما تكون فوق القانون الدولي، هي الكيان الصهيوني والذي  ولج مؤخراً في سوق صناعة الحشيش وإنتاجه وتسويقه وتصديره إلى الدول الأخرى، فهذا الكيان لا يرقُب في الإنسان إلاَّ ولا ذمة ولا يضيره من أجل المال استخدام كل الوسائل لتوزيع الحشيش على دولنا، وبخاصة أن الكثير من الدول العربية جاءتها رياح التطبيع، فبدأت بفتح أسواقها وأبوابها لهذا الكيان الغاشم. وقد نشرتْ كل من صحيفة الإندبندنت البريطانية في الرابع من أبريل من العام الجاري ومجلة "أخبار الماريوانا" تحقيقاً مفصلاً حول واقع الحشيش في الكيان الصهيوني، حيث كشف التحقيق عن عدة أمور منها أن الحشيش حلال استعماله لأغراض طبية لعقدين من الزمن، وأن حكومة الكيان وافقتْ مطلع العام الجاري على السماح لتصدير الحشيش المنْتج داخلياً على الدول الأخرى، إضافة إلى أن الحكومة نفسها ألغت تجريم حيازة الحشيش أو وجوده في منزلٍ بكميات قليلة لأغراض شخصية، كما أفاد التحقيق أن الخطوة الأخيرة للتحليل الكامل للحشيش تناقش على المستوى العام، فيكون عندئذٍ الحق لكل فرد أن يتعاطى الحشيش للترفيه عن نفسه، علماً بأن هناك حالياً مليون شخص في الكيان الصهيوني يستخدمون الحشيش بصفةٍ غير رسمية في بلد سكانه نحو 8 ملايين!

كذلك كشف التقرير الصحفي النقاب عن تطلعات خطيرة جداً، وهي رغبة هذا الكيان أن يكون من أكبر الأسواق لإنتاج الحشيش بعد كندا، حيث إن الدول الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع قانونياً تصدير الحشيش لأن الحكومة الاتحادية مازالت تحرم استخدامه.

فمثل هذه التحقيقات يجب أن تجعلنا دائماً يقظين وحذرين من أن يصلنا المد الجارف للحشيش، وأن تكون عندنا مناعة ذاتية على مستوى الأفراد ورجال الأعمال والحكومة لطرد هذه الغزو القادم للمخدرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق