الأحد، 1 ديسمبر 2019

بدأتْ أُمْ المعارك ضد السجائر الإلكترونية


بالرغم من أن السجائر الإلكترونية تُعد حديثة العهد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع، فهي من المنتجات الجديدة نسبياً في السوق الأمريكية، حيث إنها ولجت في الأبواب الأمريكية في عام 2007، إلا أن الأحداث والمعارك والمواجهات ضد هذا النوع الشيطاني الجديد من السجائر تسارعت واتسعت دائرتها ونطاق انتشارها على المستوى الدولي عامة وعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، فلم تستقر شركات السجائر الإلكترونية، وبالتحديد شركة جول(Juul) يوماً واحداً دون مواجهة، ولم تهنأ ساعة واحدة دون معركة شرسة مع العلماء ووسائل الإعلام من جهة والسلطات الحكومية الأمريكية المحلية والاتحادية من جهةٍ أخرى.

فهذه السجائر تم تسويقها ببعض الأوهام الزائفة، والوعود المضللة، والدعاوى الكاذبة، إضافة إلى بعض الدراسات المتحيزة والمدعومة من شركات السجائر، فقد تم الترويج لها بأنها البديل الأمثل والآمن لسجائر التبغ التقليدية القاتلة للبشر، وأن أضرارها أقل بكثير من هذه السجائر، كما تم تسويقها في لباسٍ جميل وأنيق، وزُيِّنت بأحلى وأبهى أنواع "المكياج" ومساحيق التجميل، كما أُشيع عنها بأنها تؤدي إلى عزوف المدخن عن التدخين كلياً.

وقد حققتْ بالفعل نتيجة لهذه الأكاذيب نجاحاً باهراً وقوياً خلال سنواتٍ قليلة جداً، فالتف الشباب وطلاب المدارس خاصة حولها وارتفع أعداد المدخنين لهذه السجائر الإلكترونية بصورة طفرية غير متوقعة، بل وأدى إلى إدمان الملايين من البشر صغاراً وكباراً لها، حسب التحقيق المنشور في التايم في 19 سبتمبر من العام الجاري، حيث تمت الإشارة إليها بصورةٍ كبيرة على صفحة الغلاف تحت عنوان: "السجائر الإلكترونية تجذب الأطفال وتُشعل أزمة صحة عامة"، كما جاء في العناوين الرئيسة لهذا التحقيق المعمق والطويل: "الإدمان الجديد للشعب الأمريكي". فقد ذكر التحقيق العديد من الإحصائيات التي تؤكد استفحال هذه الظاهرة وانتشارها في المجتمع الأمريكي، وبالتحديد بين فئة الشباب، حيث ورد في تقرير "الاستفتاء القومي للشباب حول التبغ" لعام 2019 أن هناك نحو 5 ملايين طالب يدخنون السجائر الإلكترونية، وأن هذا العدد في ارتفاع مستمر، فنسبة المدخنين من طلاب المدارس في عام 2017 بلغت 11.75%، وارتفعت في عام 2018 إلى 20.8%، والآن وصلت النسبة ذروتها إلى 27.5%.

فالمراقبون لهذه الحالة العصيبة والآفة الجديدة التي بدأت تضرب المجتمع الأمريكي خاصة والمجتمع الدولي عام تنبهوا إليها مبكراً وأعلنوا الحرب عليها، فوقعتْ عدة معارك ضارية لمواجهة هذا العدو الصحي البيئي الجديد. وتمثلت هذه في المعارك في عدة صور وأشكال منها معركة مداهمة شركة جول المصنعة لأكثر أنواع السجائر الإلكترونية شعبية، حيث نقلتْ وسائل الإعلام الأمريكية في الثاني من أكتوبر 2018 بياناً صادراً عن إدارة الغذاء والدواء ملخصه بأن محققين من إدارة الدواء والغذاء قاموا بمداهمة وتفتيش المركز الرئيس لمختبرات شركة جول في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، حيث قام المحققون بمصادرة الآلاف من الوثائق الخاصة بإنتاج وتسويق وبيع السجائر الإلكترونية، بهدف التعرف على مدى التزام الشركة بالأنظمة والقوانين المتعلقة ببيع هذا المنتج الجديد وتسويقه للناس، وبخاصة فئة الأطفال والشباب. وبناءً على المستندات التي تمت مصادرتها، أرسلت إدارة الغذاء والدواء في التاسع من سبتمبر من العام الجاري خطاباً تحذيرياً تتهم فيه شركة جول بمخالفة الأنظمة الاتحادية من خلال التسويق بدون رخصة لسجائرها بأنها الخيار الأكثر أمناً من السجائر التقليدية، وهددت الشركة بفرض الغرامات وإيقاف منتجها إذا استمرت في الدعاية.

وفي الجانب التشريعي والرقابي، عَقدتْ لجان مختلفة في الكونجرس العديد من جلسات الاستماع حول مدى استفحال هذه الآفة الجديدة في المجتمع الأمريكي وتأثيرها على الأمن الصحي والبيئي للناس، منها في 25 سبتمبر للجنة الطاقة والتجارة، ومنها في 16 أكتوبر من العام الجاري.

وربما الكارثة الأبرز والأشد وطأة وتنكيلاً بالمجتمع الأمريكي وأم المعارك كانت مع المرض الرئوي الغامض الذي أُطلق عليه(E-VALI or VALI) وضرب فئة الشباب خاصة بسبب تدخينهم للسجائر الإلكترونية، فمنهم من قضى نحبه ونُقلوا إلى مثواهم الأخير وبلغ عددهم حتى كتابة هذه السطور إلى 38 حالة، ومنهم من هو راقد في قسم الطوارئ ينتظر، وبلغ عددهم 2051 من 48 ولاية. وانكشفت عدة نظريات لتفسير أعراض هذا المرض الغريب والتي تتمثل في الكحة، وضيق في التنفس، وآلام في الصدر والبطن، والقيء، والغثيان، والإسهال، وتراكم مواد زيتية غير معروفة في الرئة، ومن هذه النظريات وجود الحشيش أو خليط من الحشيش والنيكوتين معاً في السجائر الإلكترونية، حسب المنشور في مجلة اللانست الطبية المرموقة في الثامن من نوفمبر من العام الجاري، أو وجود مضاف جديد وهو زيت فيتامين إي أَسِيتيتْ(vitamin E acetate)، كما أفاد بعض العلماء من عيادة مايو(Mayo Clinic) بأن رئة المرضى التي تم كشفها تُشبه رئة الإنسان الذي تعرض لقنبلة كيميائية، أو تسمم بالغاز السام، وتمت مشاهدة تراكم الدهون في الجهاز التنفسي والرئة بشكلٍ خاص، حيث نُشرت هذه النتائج في الثاني من أكتوبر من العام الجاري في مجلة(New England Journal of Medicine).

ونتيجة لهذه الحالة الصحية العصيبة التي يمر بها المجتمع الأمريكي من السجائر الإلكترونية، فقد اتخذت عدة مدن وولايات إجراءات لمنعها بشكلٍ كلي أو جزئي. فمدينة سان فرانسيسكو أصبحت أول مدينة تمنع بيع السجائر الإلكترونية في يونيو 2019، ثم أصْدرتْ ولاية ميشيجن قراراً في الرابع من سبتمبر بمنع السجائر وإعلان حالة الطوارئ الصحية، وبعدها جاءت نيويورك في 14 سبتمبر فمنعت بيع السجائر الإلكترونية التي تحتوي على نكهات، وفي 25 سبتمبر تبعتها ولايات أخرى مثل ولاية رُودْ آيلند وواشنطن وماساشوستس وكاليفورنيا وميريلاند. كما أعلنت مجموعة محلات والْ مَارتْ المنتشرة في كل مدن أمريكا عن توقف بيع السجائر الإلكترونية في 20 سبتمبر من العام الجاري.

وأما على المستوى الدولي، فهناك حتى كتابة هذه السطور 30 دولة تمنع أو تقنن بيع واستخدام السجائر الإلكترونية بطريقة أو بأخرى منها على سبيل المثال الهند، والنمسا، وبلجيكا، وألمانيا، وإيطاليا، والبرازيل، وتركيا.
والآن أنا في انتظار موقف البحرين ودول مجلس التعاون حول هذا الوباء الجديدة والآفة المرضية القاتلة التي بدأت تسري في شرايين مجتمعاتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق