الجمعة، 13 ديسمبر 2019

إعلان حالة الطوارئ المناخية


في كل عام تتجدد صيحات العلماء، وتعلوا أصواتهم، وترتفع صرخات تحذيراتهم عن الوضع المناخي المتأزم للكرة الأرضية، والكارثة المناخية القادمة التي ستقضي كلياً على الكرة الأرضية برمتها، وفي كل سنة تتعمق وتتسارع وتيرة التهديد، وتزيد نبرة التحذير عن الحالة المناخية لكوكبنا، حتى أنهم هذا العام كانت تنبيهاتهم واضحة وشديدة اللهجة، وأطلقُوا صفارة الإنذار النهائية، فأعلنوا جميعاً عن "حالة الطوارئ المناخية" التي تُواجهها اليوم الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فلا يوجد أحد على وجه الأرض، صغيراً كان أم كبيراً، غنياً كان أم فقيراً، ولا توجد دولة مهما كانت قوتها وجبروتها وتقدمها بمنأى من الاكتواء من الآثار التدميرية القادمة لهذه الحالة المناخية الطارئة.

فقد وقَّع في الخامس من نوفمبر من العام الجاري، أكثر من 12 ألف من العلماء الأجلاء من مختلف العلوم والتخصصات على المستوى الدولي ويمثلون من 153 دولة، على إعلان وثيقة "إعلان حالة الطوارئ" التي تعاني منها كرتنا الأرضية، ونُشرت هذه الوثيقة في مجلة علوم الحياة(BioScience) الصادرة في نوفمبر. كما أعلن جون كيري وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية في الثاني من ديسمبر من العام الجاري قبيل البدء في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في دورته رقم (25) في مدريد عن مبادرة جديدة تتمثل في تشكيل فريقٍ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ومن المستقلين من كافة التخصصات والأعمال لمواجهة هذه الحالة المناخية واعتبارها "حالة حرب"، حيث صرح كيري في مقابلة تلفزيونية لمحطة إِن بِي سِي الأمريكية بأن التغير المناخي يعد "قضية أمنية دولية"، ولذلك يجب التعامل معها والإعداد لها كما تتعامل الدول وتستعد وتُحرك جميع قواتها عند الدخول في الحروب.

فقد قام هؤلاء العلماء ورجال السياسة والقانون بتحليلٍ علمي معمق وشامل ومتكامل لحالة مناخ كوكبنا لمدة أربعين عاماً، أي منذ انعقاد المؤتمر الدولي عن المناخ في جنيف عام 1979، وهذا التحليل مبني على معلومات وبيانات وتقارير علمية سابقة منذ أكثر من ستة عقود، منها التقرير الذي نُشر أثناء قمة الأرض عام 1992 في ريو دي جانيرو في البرازيل، والتقرير المنشور في اجتماع كيوتو عام 1997 في اليابان، ثم في اجتماع باريس للتغير المناخي في 2015، فهذا التقرير الحالي إذن يمثل خلاصة لتراكم الخبرات والتجارب والعلوم حول قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض طوال هذه السنوات العجاف الطويلة.

ولذلك جاء هذا التقرير بمثابة الإنذار الأخير، والتحذير النهائي للبشرية جمعاء في أن كوكبنا سيواجه حتماً سنوات عصيبة مدمرة، وسيعاني من كارثة عقيمة وريحٍ صرصر عاتية لا تبقي ولا تذر فتدمر كل شيء يعيش على سطح كوكبنا، وهذه الصيحات المدوية تتوافق مع تقديرات وتحذيرات الهيئة شبه الحكومية للتغير المناخي التي تقول بأن لدينا من اليوم 11 عاماً فقط، وبعدها سنسقط في الهاوية من أعلى الصخرة وسنواجه كارثة مناخية ومصيراً مشؤوماً للبشرية وتدميراً شاملاً لكوكبنا.

وفي الحقيقة فهناك من الأدلة العلمية الموثقة والمظاهر المناخية المشهودة التي تُدعم مثل هذه التحذيرات، فقد ارتفعت سخونة الكرة الأرضية 1.1 درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر، حسب التقرير المنشور من منظمة الأرصاد الدولية في الرابع من ديسمبر من العام الجاري، كما أكدت المنظمة بأن هذا العقد من الزمن يُعد الأشد حرارة، كما أن الدراسات المتعلقة بانعكاسات التغير المناخي أشارت إلى أن مستوى سطح البحر قد ارتفع فعلياً بنحو 7 إلى 8 بوصات منذ عام 1900، أي منذ مطلع القرن العشرين، وقدَّر معهد وودز هول للمحيطات(Woods Hole Oceanographic Institution) في 19 نوفمبر من العام الجاري بأن مستوى سطح البحر سيرتفع مجدداً قرابة 4 إلى 8 بوصات بحلول عام 2050، وهذا الارتفاع المتوقع سيكون علاوة على الارتفاع الذي وقع فعلاً خلال العقود الماضية.

ومن أجل تجنب وقوع هذه الطامة الكبرى على الإنسانية وعلى كوكبنا، فقد أكد العلماء على حتمية اتخاذ الخطوات والإجراءات التالية وبصفةٍ سريعة وعاجلة وجماعية، ومنها:
أولاً: في مجال الطاقة، حيث إن على المجتمع البشري التحول من الوقود الأحفوري الناضب والملوث للبيئة والمسؤول عن وقوع التغير المناخي والمتمثل في الفحم والنفط والغاز الطبيعي إلى أنواع الوقود المتجدد والمنخفض الانبعاث للملوثات المعنية بسخونة الأرض، كما حثَّ العلماء الدول إلى تبني برامج الاستهلاك الفاعل والرشيد للطاقة وتغيير أنماط الحياة والسلوكيات المستنزفة للطاقة.
ثانياً: المحافظة على البيئات الطبيعية التي تمتص الملوثات وحمايتها من أي تدهور في صحتها ومساحتها، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون المتهم الرئيس بإحداث التغير المناخي، وبالتحديد بيئة الغابات الاستوائية المطيرة البرية، وبيئة أشجار القرم البحرية.
ثالثاً: الاعتدال في تناول المواد الغذائية التي تنبعث عن إنتاجها واستهلاكها ملوثات الاحتباس الحراري، إضافة إلى خفض مخلفات الغذاء، ومن أهم المواد الغذائية التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض هي اللحوم وعلى رأس القائمة لحوم البقر والحيوانات الأخرى. فالأبقار والمواشي بشكلٍ عام يتحملون مسؤولية 18% من مجموع انبعاث غازات الدفيئة والغازات التي تؤدي إلى سخونة الأرض على المستوى الدولي، حسب أحدث تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة(الفاو).
رابعاً: تغيير النمط الاقتصادي الحالي المبني على الوقود الأحفوري المسبب للتغير المناخي إلى اقتصادٍ دولي مبني على مصادر الطاقة المتجددة البديلة والنظيفة وخالية من الكربون.
خامساً: تقنين الزيادة السكانية على المستوى الدولي، ورفع وتعميق الوعي البيئي من ناحية السلوك والتصرفات والاستهلاك العام.

وعلينا في البحرين أن نقف بجدية وحزم أمام هذه الإجراءات ونطبق منها ما يتناسب مع بيئتنا وخصوصية مجتمعنا، فالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وبخاصة ارتفاع مستوى سطح البحرين سنكون نحن الأشد تضرراً منه، والأكثر تأثيراً من تداعياته، فأكثر من 33% من مساحة البحرين قد تم دفنها، فهي إذن تقع على مستوى سطح البحر فتكون عرضة مباشرة لأي تغيرات، ولو كانت طفيفة قد تحدث لمستوى سطح البحر، وكل هذه المدن والمنتجعات ومكتسبات التنمية الأخرى ستزول من فوق الأرض في ثانية واحدة فقط.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق