الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

عاصفة هوْجاء تضربْ البحرين


اطلعتُ بالصدفة في وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي على جريدة شركة بابكو التي كانت تَصدر كل يوم أربعاء من كل أسبوع، وبالتحديد العدد المنشور في 22 يناير 1964، ولفت انتباهي الخبر المنشور على صَدْر صفحة الغلاف تحت عنوان :"عاصفة هوْجاء تجتاح البحرين".

وجاء في الخبر بأن البحرين تعرضتْ صباح يوم الأحد من شهر يناير 1964 لعاصفة هوجاء قوية، ولشدتها هاج البحر هيجاناً لم يسبق له مثيل، وكان مد البحر عالياً لساعات طويلة، فقد تعرضتْ لأمواجه بعض القرى والمدارس والمناطق القريبة من البحر، وجرفت هذه الأمواج العاتية ما كان في طريقها، وامتدت حتى خزانات سترة، كما غمرت المياه بعض الشوارع وبلغ ارتفاعها 18 بوصة في بعض مناطق المنامة، كذلك تعرضت الطرق القريبة من البحر في المحرق مثلما تعرضت المنامة للمياه. أما سرعة الرياح في مرفأ سترة فقد بلغت 43 عقدة مما أدت إلى اقتلاع الكثير من الأشجار وأشجار النخيل الباسقة.  

فهذه العاصفة التي نادراً ما نشاهدها في البحرين يجب أن نقف أمامها اليوم، وبخاصة أننا ولجنا عصراً مناخياً جديداً يختلف جذرياً عن العقود الماضية في شدته وقوته وتأثيراته وانعكاساته العصيبة على كل بقعةٍ صغيرة أو كبيرة من الكرة الأرضية برمتها، وبالتحديد في المناطق الساحلية المنخفضة، وفي الجزر الصغيرة الواقعة على مستوى سطح البحر كمملكة البحرين، وهذا العصر هو التغير المناخي العظيم، والذي من تداعياته المشهودة والمعروفة هي ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة سخونتها من جهة، وارتفاع منسوب مياه البحر من جهةٍ أخرى، إضافة إلى المردودات الأخرى الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي لا تُعد ولا تحصى ويكتشف الإنسان في كل يوم بُعداً جديداً غير متوقع لهذا التغير المناخي.

أما بالنسبة لارتفاع درجة حرارة الأرض الذي هو ردة فعل طبيعية لارتفاع تركيز الملوثات في الهواء الجوي، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون الذي زادت نسبته سنة بعد سنة خلال المائة سنة الماضية من قرابة 230 جزءاً من ثاني أكسيد الكربون في المليون جزء من الهواء الجوي إلى أن بلغ في عام 1965 إلى 320، واليوم وبالتحديد في 26 نوفمبر من العام الجاري وصل إلى نسبة مقلقة جداً هي أكثر من 407.8 جزء من ثاني أكسيد الكربون في المليون جزء من الهواء الجوي. هذا الارتفاع في تركيز الملوثات في الهواء الجوي نجم عنه ارتفاع غير مسبوق في درجة حرارة الأرض، حيث أفادت آخر التقارير العلمية بأن حرارة الأرض ارتفعت درجة مئوية واحدة، وهذه الدرجة الواحدة ستزيد عن درجة ونصف الدرجة (1.5) بحلول عام 2030.

وهذا الارتفاع التاريخي في درجة حرارة الأرض له تداعيات خطيرة لا تُحمد عقباها وتهدد سلامة الإنسان واستدامة بقاء الكرة الأرضية، ومن هذه التداعيات ارتفاع مستوى سطح البحر وحدوث الفيضانات والعواصف والتدمير الشامل الذي سينزل على البنية التحتية الواقعة على السواحل وعلى البشر الذين يعيشون في تلك المناطق الساحلية. فالدراسات المتعلقة بانعكاسات التغير المناخي أشارت إلى أن مستوى سطح البحر قد ارتفع فعلياً بنحو 7 إلى 8 بوصات منذ عام 1900، أي منذ مطلع القرن العشرين، كما قدَّر معهد وودز هول للمحيطات(Woods Hole Oceanographic Institution) في 19 نوفمبر من العام الجاري بأن مستوى سطح البحر سيرتفع مجدداً قرابة 4 إلى 8 بوصات بحلول عام 2050، وهذا الارتفاع المتوقع سيكون علاوة على الارتفاع الذي وقع فعلاً خلال العقود الماضية.

ولذلك فالعاصفة الهوجاء التي نزلت على البحرين في عام 1964 وأغرقت معظم مناطق البلاد الساحلية كانت في عصر ما قبل التغير المناخي، فماذا سيكون تأثير العاصفة وقوتها وشدتها لو وقعت الآن بعد أن ارتفعت سخونة الأرض وزادت درجة حرارتها، وزادت في الوقت نفسه مستويات سطح البحر بنسبٍ كبيرة خطيرة؟

فالبحرين كما يعلم الجميع تتكون من مجموعة من أكثر من 36 جزيرة صغيرة منخفضة السطح، وجزء كبير من مساحة البحرين التي بلغت الآن حسب المخطط الهيكلي الاستراتيجي لعام 2016، 934 كيلومتراً مربعاً، يُعد مساحات ساحلية مدفونة من جسم البحر ووصلت إلى قرابة 290 كيلومتراً مربعاً، مما يعني أن كل المنتجعات والفنادق الفخمة والمرافق السياحية والصناعية والسكنية التي شيدناها حديثاً، وأنفقنا عليها الملايين من الدنانير على السواحل المدفونة من البحر ستكون هي الأشد تنكيلاً وضرراً من تداعيات التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى التهديدات التي سيعاني منها الناس الذين يعيشون في هذه المناطق الساحلية المدفونة بشكلٍ مباشر.

ولذلك من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات التنموية الوطنية وحمايتها من تداعيات التغير المناخي، علينا تبني وتنفيذ سياسة "الوقاية خير من العلاج"، أو المبدأ "الاحترازي" المبني على سياسة منع وتجنب الضرر قبل وقوعه، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك من خلال سن التشريعات والقوانين المتعلقة بتحديد مصادر تلوث الهواء وخفض انبعاث الملوثات منها، ثم من خلال وضع البرامج التنفيذية لتفعيل هذه القوانين على المستوى الحكومي الرسمي وعلى مستوى الجمعيات الأهلية الطوعية والشركات والمصانع الخاصة، فنحن جميعاً شركاء في مواجهة هذا التحدي القادم لا محالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق