الخميس، 26 ديسمبر 2019

لماذا تَنْفُق الأسماك؟


حوادث نفوق الأسماك التي نسمع عنها ونشاهدها بين الحين والآخر في البحرين وفي دول كثيرة أخرى، تَكُون أسبابها في جميع الحالات من بعض المظاهر التي يحسبها الإنسان تافهة وبسيطة ولا تستحق ذلك الاهتمام والرعاية، ومن هذه المظاهر التي بدأت تتفاقم وتتسع دائرتها ونطاق تأثيرها، وبخاصة في السنوات الماضية هي انخفاض تركيز الأكسجين، أو تدهور نسبة الهواء الذائب في المسطحات المائية.

فأهمية وجود الأكسجين في البحار والبحيرات بتركيزٍ دقيق ومعتدل كما خلقه الله سبحانه وتعالى لا يقل أهمية وضرورة عن تركيز الأكسجين في الهواء الجوي بالنسبة للإنسان والكائنات الحية الأخرى من نباتات وحيوانات، فأي خللٍ ولو بسيط في التوازن المتعلق بنسبة الأكسجين في الهواء من الناحيتين الكمية والنوعية يؤدي إلى كوارث صحية وأمنية لجميع الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض ولا يمكنها الاستغناء عن الهواء ولو دقائق بسيطة معدودة، بل وإن أي تغيير مهما كان حجمه في نسبة الأكسجين في الهواء سينجم عنه عدم استدامة حياة البشر على هذا الكوكب.

وقد انتبه العلماء المتابعون لظاهرة الانخفاض التدريجي مع الزمن في ذوبان الأكسجين في مياه البحار والمحيطات إلى هذه القضية الحساسة والخطيرة المهددة لسلامة وأمن الحياة الفطرية البحرية ولحياة الإنسان معاً، وقد حذَّر هؤلاء المراقبون لهذه الظاهرة من خطرٍ وشيكٍ قادم، وأعلنوا تحذيرهم وقلقهم في التقرير الذي عُرض في اجتماع الأمم المتحدة السنوي الـ 25 للدول الأطراف في اتفاقية التغير المناخي، والذي عُقد في منتصف شهر ديسمبر من العام الجاري في العاصمة الإسبانية مدريد.

فقد انتهز الاتحاد الدولي لصون الطبيعية وجود عشرات الآلاف من البشر في مكانٍ واحد، وفي وقتٍ واحد في الاجتماع المخصص فقط لمناقشة مشكلة العصر التي لا حل لها حتى الآن وهي التغير المناخي وتداعياتها المتمثلة في ارتفاع درجة حرارة الأرض وارتفاع مستوى سطح مياه البحار والمحيطات.

ففي هذا الاجتماع الدولي السنوي يُشارك فيه رجال السياسة والنفوذ من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء والعلماء والجمعيات الأهلية، وتُسلط وسائل الإعلام كافة أضوائها، وتسخر جميع إمكاناتها لتغطية هذا الحدث الدولي، ولذلك لا يوجد منبر أفضل من منبر هذا الاجتماع لتقديم أية قضية، أو جلب أنظار العالم إليها.

فهذا التقرير حول الانخفاض المشهود في كمية الأكسجين في عمود الماء جاء في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، فالجميع في اجتماع التغير المناخي ينصب اهتمامه على تداعيات ظاهرة التغير المناخي، والجميع شدَّ الرحال للمشاركة في هذا الاجتماع للتعرف على أهم وآخر مردودات وانعكاسات هذه الظاهرة على المجتمع البشري خاصة وعلى كوكبنا عامة.

فقد أكد التقرير عن وجود مواقع في محيطات وبحار العالم تُعد ميتة بيولوجياً، وتُعتبر فعلياً كالمقابر الجماعية الصامتة التي مات أهلها جميعاً  فلا روح فيها ولا حياة لها، وهذه المقابر قد زادت أعدادها بدرجةٍ ملحوظة ومشهودة من نحو 45 في الستينيات من القرن المنصرم إلى أكثر من 700 موقع حالياً، ومن هذه المواقع ما يصل مساحته إلى قرابة 20 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 25 مرة، كما انخفض تركيز الأكسجين في محيطات العالم بشكلٍ مستمر مع الزمن وهو العامل الرئيس في تكوين مثل هذه المقابر البحرية، حيث أفاد التقرير بأن تركيز الأكسجين في تدهور كل سنة حيث انخفضت النسبة حتى الآن 2%، وهذه النسبة ستستمر في الارتفاع إذا استمر الحال على ما هو عليه من انبعاث الغازات الملوثة للهواء الجوي والمتهمة بالتغير المناخي، وعلى رأس قائمة المتهمين غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من أية عملية احتراق للوقود الأحفوري، سواء أكان الفحم، أو النفط ومشتقاته، أو الغاز الطبيعي.

ولذلك نجد بأن ظاهرة نفوق الأسماك والموت الجماعي لها، وبخاصة في المواسم التي ترتفع فيها درجة حرارة الجو وتزداد درجة حرارة المياه في المسطحات المائية، قد استفحلت في السنوات الأخيرة وتحولت إلى ظاهرة دولية يمكن مشاهدتها في الكثير من بحار وبحيرات العالم. 

فالأسباب التي تؤدي إلى موت الأسماك كثيرة جداً ومتنوعة وكلها نعاني منها في البحرين. فهناك، كما بيَّنا، تداعيات التغير المناخي العامة المتمثلة في سخونة مياه البحر وخفض نسبة الأكسجين الذائب في الماء، وهناك المخلفات الصلبة والسائلة ومخلفات مياه المجاري التي تُصرف في البيئة البحرية وتحتوي على مواد غذائية، كالفوسفور والنيتروجين، وهذه الملوثات الغذائية تؤدي إلى إثراءٍ ونمو سريعين وكبيرين للنباتات البحرية كالطحالب والحشائش، ومع الوقت تتحلل هذه الطحالب فتستهلك الأكسجين الذائب في الماء وتستخدمها لعملية التحلل الحيوي، مما ينجم عنها نقص حاد وشديد في الأكسجين واختناق سريع وكبير للكائنات البحرية التي تعيش في تلك المنطقة. وعلاوة على ذلك، فهناك ظاهرة موجودة في البحرين بصفةٍ خاصة، وتتمثل في عملية دفان البحر وترك مواقع بحرية ضحلة وشبه مغلقة لا تتحرك مياهها ولا توجد بها تيارات مائية، مما يتسبب في حبس الكائنات البحرية في منطقة صغيرة وعفنة في بعض الأحيان وتؤدي إلى موتها وموت من عليها.

فإذا أردنا فعلاً أن نتخلص من ظاهرة نفوق الأسماك فعلينا تجَنُب كل العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، ومن أهمها نُضوب الأكسجين الذائب في ماء البحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق