الخميس، 19 ديسمبر 2019

علماء أمريكا يفضحون ممارسات أمريكا


الدول الصناعية المتقدمة العظمى لا ترقُب في شعوبها ولا شعوب العالم إلاًّ ولا ذمَّة من أجل نموها وتطورها وتفوقها على الدول الأخرى عسكرياً واقتصادياً، وتقوم بكل أُوتيت من قوة علمية وتقنية لبلوغ هذا الهدف، سواء أكانت بوسائل شرعية قانونية، أو وسائل شيطانية محرمة وغير أخلاقية.

وحوادث التاريخ المعاصر شاهدة على هذه الحقيقة، فلا يمكن إخفاؤها والتستر عليها مهما طال الزمن وبَعُدْ، ومهما انقضت الأيام والسنون، فكل سر وجريمة تفضحها الأيام، وتكشفها الصدف، ويُسدل العلماء الستار عنها، ولو بعد حينٍ من الدهر.

فقد قام فريق متعدد التخصصات والعلوم من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد من جامعة كولومبيا العريقة وصحيفة اللوس أنجلوس تايمز(Los Angeles Times) بشد الرحال خمس مرات لمجموعة جزر المارشال المعروفة في المحيط الهادئ بهدف البحث والتنقيب وكشف الحقائق والمعلومات، ولكن لم يكن التنقيب هذه المرة عن آثار حضارة البشر السابقين، أو تاريخ هذه الجزر والمواقع الأثرية فيها، ولكن كان من أجل فضح الأسرار المدفونة في مقابر هذه الجزر والتعرف عن كثب عن سلوكيات دولتهم في هذه الجزر في حقبة الحرب الباردة، والكشف عن الممارسات غير الأخلاقية وغير المسؤولة التي قام بها الجيش الأمريكي في تلك الفترة الزمنية، إضافة إلى سبر غور تداعيات هذه الممارسات على الشعب المارشالي وعلى بيئته بعد مضي أكثر من 70 عاماً.

ففي الفترة من عام 1946 إلى 1958 غزت الولايات المتحدة الأمريكية واحتلت هذه الجزر وكأنها أرض من غير شعب، فأجرتْ قرابة 67 تجربة نووية دون إذنٍ من أحد، فاستباحت بكل كبرياء وغطرسة ولامبالاة أراضي هذه الشعوب الضعيفة والفقيرة، وتعدت على بيئاتها كلها من هواء وماء وتربة، فسممت بالمواد المشعة كل جزءٍ صغيرٍ أم كبيرٍ من مكونات البيئة، وتركت بصماتها قوية وعميقة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا على الأمن الصحي لشعوب هذه الجزر.

ومن أخطر هذه التجارب وأشدها تنكيلاً بالبيئة والبشر هي القنبلة الهيدروجينية العملاقة التي فُجرت في الأول من مارس 1954 جزر بيكيني(Bikini Atoll) وأُطلق عليها تجربة قلعة برافو(Castle Bravo)، حيث كوَّنت القنبلة غمامة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فارتفعت مئات الأمتار في أعالي السماء وأضاءت الأفق برمته وكأنها شمس مشرقة، فحملت الرياح هذه الغمامة فحركتها حتى وصلت إلى جزر أخرى، وبالتحديد في جزيرة رونجلاب(Rongelap)، وأنزلتْ عليهم الجسيمات البيضاء المشعة القاتلة والتي حسبها الناس ثلوجاً بيضاء تنزل عليهم من السماء العليا برداً وسلاماً فلعب الشباب والأطفال في هذه الثلوج التي سقطت عليهم، ولكنها في الحقيقة كانت تخفي لهؤلاء الأبرياء الفقراء أمراضاً وعللاً مستعصية على العلاج ولا أمل في الشفاء وبخاصة سرطان الغدة الدرقية.

فهذا الفريق الأكاديمي البحثي والإعلامي في زيارته لهذه الجزر كشف النقاب عن الكثير من الأسرار التي أخفتها السلطات الأمريكية من خلال الزيارات الميدانية والمقابلات الحصرية، والتجارب العلمية، والتحاليل المخبرية لنسبة الإشعاع في عناصر البيئة، إضافة إلى الأرشيف التاريخي الخاص بالوقائع والتجارب التي أُجريت في هذه الجزر.

وأُقدم لكم أمثلة لهذه الأسرار والفضائح والانتهاكات الإجرامية التي ارتكبتها أيادي الجيش الأمريكي على شعب وبيئة هذه الجزر.
أولاً: كشفت الوثائق التاريخية عن أن الجيش الأمريكي لم يقم فقط بإجراء التجارب النووية، وإنما أجرى  تجارب بيولوجية، أي أنتج قنابل أو صواريخ أو سلاح بيولوجي جرثومي من نوع خاص بدءاً من عام 1968، وهذه التجارب حتى الآن لا يعرف أحد عن هويتها، أو نوعيتها، أو تداعياتها على الإنسان والبيئة.
ثانياً: قام الجيش بالتخلص سراً من 130 طناً من المخلفات الصلبة المشعة والتي تم نقلها آلاف الكيلومترات من موقع نيفادا للتجارب النووية في ولاية نيفادا إلى هذه الجزر، وهذه المخلفات ما زالت مجهولة من ناحية درجة إشعاعها وخطورتها.
ثالثاً: بدأ الجيش الأمريكي بعد إجراء التجارب النووية ببرنامج في غاية السرية لمتابعة حالة الشعب في جزر المارشال من الناحية الصحية، وبالتحديد المراحل التي يمر بها الإنسان عند تعرضه للإشعاع، وأُطلق على البرنامج( Project 4.1)، حيث بيَّنت السجلات التاريخية بأن الأطباء كانوا يتعاملون مع المرضى بالأرقام وليس بالأسماء، فالهوية البشرية الإنسانية تم القضاء عليها، وتحول الإنسان عندهم إلى مجرد رقم لا قيمة له، كفئران التجارب المخبرية.
رابعاً: إنشاء موقع ضخم مساحته كملعب لكرة القدم لدفن المخلفات المشعة، وأُطلق عليه القبر أو التابوت النووي العظيم(the Tomb)، وتعلوه قبة ضخمة تُعرف الآن بقبة رينت(Runit Dome). هذا التابوت الضخم الجاثم على قلب الشعب في جمهورية المارشال يحمل في بطنه ما لا يعرفه أحد، ولا يمكن التكهن بخطورته والتهديدات التي يُشكلها لهذا الشعب الفقير المغلوب على أمره ولشعوب العالم أجمع إذا وقع أي تسربٍ إشعاعي في جسمه. وقد أكد فريق البحث والتحقيق فعلياً بأن القبة بدأت عليها علامات الهرم، فأخذت تتشقق وتظهر عليها التصدعات وعلامات الضعف والانهيار، مما يجعلها قنبلة دمار شامل موقوتة للكرة الأرضية برمتها، وهذا الوضع الكارثي فعلاً يستدعي اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن لأن إهماله وتجاهله سيُهدد الأمن والسلم الدوليين عاجلاً أم آجلاً.
خامساً: أكدت التحاليل المخبرية لعناصر البيئة في هذه الجزر بأنها ما زالت مشعة وبمستويات مرتفعة حتى بعد مضي أكثر من سبعين عاماً على هذه التجارب، ولا شك بأن الإشعاع سيستمر إلى ما شاء الله في مكونات بيئة هذه الجزر، وسينعكس مباشرة على الأمن الصحي لهذا الشعب البسيط المستضعف الذي لا حول له ولا قوة.
سادساً: هذه الجزر استُخدمت كموقع لسقوط تجارب الصواريخ الباليستية الطويلة المدى التي كانت تُطلق من كاليفورنيا، حيث استمرت هذه التجارب نحو 18 عاماً.

فهذه الممارسات الأمريكية الآثمة مع شعوب الدول الأخرى ليست فريدة من نوعها، فقد قامت معظم الدول الصناعية المتقدمة الكبرى بمثل هذه الأعمال اللاأخلاقية أثناء سباق التسلح والحرب الباردة، ومازالت مثل هذه الممارسات تُرتكب في حق الشعوب المستضعفة والفقيرة وبسرية تامة ستكشفها السنوات القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق