الخميس، 1 أكتوبر 2020

نظرية مؤامرة كُيو أنُون: هل هي أمريكية أم دولية؟

بعد أن نشرتُ مقالي تحت عنوان: "نظرية مؤامرة جديدة تخرج من ظلمات الإنترنت إلى أضواء البيت الأبيض" في 25 سبتمبر في صحيفة أخبار الخليج، طرحتُ على نفسي السؤال التالي: هل نظرية المؤامرة المعروفة بكُيو أَنُون، والتي انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد في عهد الرئيس ترمب، هي نظرية خاصة بالشعب الأمريكي، أم أنها نظرية مؤامرة دولية يعتقد بها الناس في الدول الأخرى، وبخاصة دول القارة الأوروبية، ويؤمنون بواقعيتها؟

 

فنظرية المؤامرة الجديدة المعروفة بكُيو أنُون(QAnon conspiracy theory) أخذتْ في الانتشار والتجذر في المجتمع الأمريكي، وبخاصة في عهد ترمب، حيث خرجت رويداً رويداً من ظلمات الإنترنت وغموضه، ومن الواقع الافتراضي إلى أضواء البيت الأبيض وإلى العلن وأمام الناس، فهي تدَّعي بأن هناك شبكة ظلامية سرية من شياطين الإنسان من سياسي الحزب الديمقراطي الأمريكي، ومن ممثلي ومشاهير هوليود، ومن أغنياء العالم ورجال النفوذ المالي، مثل بيل جيتس، ومن رجال الدين مثل البابا فرنسيس، الذين يسيطرون على الحُكم من خلال تغلغلهم في وزارات "الدولة العميقة"، ويهاجمون ترمب ويتآمرون ضده، فينشرون الفساد الأخلاقي بين الناس بالإتجار بالجنس بين الأطفال خاصة، كما أن هؤلاء يؤمنون بأن الله خصَّهم بالرئيس ترمب ليُنقذ أمريكا والعالم من هؤلاء الشياطين الأشرار، وأن ترمب قد تم اختياره، كالمسيح عيسى عليه السلام، ليُخلص المجتمع الأمريكي منهم، فيحاربهم، وسيقضي عليهم جميعاً في المستقبل القريب في عملية قادمة قريباً يُطلقون عليها بالعاصفة(storm)، علماً بأن ترمب نفسه أعلن في لقاء صحفي في 21 أغسطس 2019 وهو ينظر إلى السماء قائلاً: "أنا الشخص المـُخْتار "!

وعلاوة على ذلك فإن ترمب بدأ مؤخراً بشكلٍ عفوي استخدام المصطلحات نفسها التي ينشرها أصحاب هذه النظرية، وكأنه واحد منهم ويمثل أفكارهم، وبالتحديد مصطلح "الشاذون جنسياً والذين يدافعون عن مرتكبي الجرائم الجنسية"(pedophile). وقد نشرتْ صحيفة الـ يو إس آيه توداي الواسعة الانتشار في 29 سبتمبر من العام الجاري مقالاً حول دور حركة ونظرية كيو أنون في تزييف المعلومات حول المرشح الرئاسي جو بايدن، ووصفته بأنه من الذين يدافعون عن مغتصبي الأطفال، وأكدت الصحيفة على أن الرئيس ترمب شارك من خلال التويتر مؤيدي نظرية المؤامرة باستخدامه لمصطلح الشاذين جنسياً(pedophile). كذلك في المناظرة الرئاسية الأولى التي أجريت في 29 سبتمبر، رفض ترمب إدانة الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعة تفوق العرق الأبيض، والجماعات المسيحية المتطرفة، والميليشيات المسلحة التي يمكن مشاهدتهم أثناء المظاهرات في بعض المدن الأمريكية، بل وحرَّض إحدى هذه الجماعات بالاسم مثل(Proud Boys) على التصدي للآخرين، وقدَّم لهم الضوء الأخضر من خلال هذه المناظرة التي شاهدها الملايين.

 وقد قمتُ بدراسة سريعة لأعرف مدى انتشار هذه النظرية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وهل هناك من خارج أمريكا من يؤمنون بمصداقية هذه النظرية ولهم معتقدات وسياسات مشتركة مع دعاة النظرية في أمريكا؟

 

فقد تأكد من خلال البحث بأن نظرية المؤامرة التي وُلدت في أمريكا، قد انتقلت عدواها إلى عدة دول منها ألمانيا، على سبيل المثال، حيث نشرت مجلة الدير شبيجل الألمانية(DER SPIEGEL) في 24 سبتمبر من العام الجاري تحقيقاً حول انتشار نظرية كيو أنون خارج الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية، وشمل التحقيق على مقابلات حصرية لبعض أتباع هذه النظرية من الألمانيين، وأفاد هؤلاء الناس بأن الرئيس ترمب بطل يحارب الدولة العميقة، ويعمل على حماية العالم من شياطين الإنس من الأغنياء ورجال النفوذ والسياسيين، فترمب يريد "إنقاذ البشرية" منهم. كما أكدت المجلة نفسها على وجود جماعة نظرية كيو أنون في ألمانيا من خلال المقابلة المنشورة في 16 سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان: "كيف تهدد نظرية المؤامرة مجتمعنا"، مع الخبير في نظرية المؤامرات وهو مايكل بتر(Michael Butter)، حيث أفاد بوجود جماعات في ألمانيا تشترك مع حركة كيو أنون في الأفكار، والمواقف، والسياسات، ومنها محاربة الهجرة والمهاجرين وعملية التجنيس في الدول الأوروبية، والمهاجمة العنيفة الإرهابية للأقليات والأديان الأخرى، إضافة إلى الدعوة إلى الانفصال عن الحكومات الاتحادية، ومساندتها علانية لسياسات ترمب كمنقذ للبشرية، حيث يصفونه تارة بأنه "البطل"، وتارة بأنه "القديس".

 

وهذه الجماعات وأصحاب نظرية مؤامرة كيو أنون، الذين يشتركون في هذه المواقف، والسياسات، ويؤمنون بالأفكار نفسها موجودون أيضاً في دول أوروبية أخرى، مثل الدنمارك، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وغيرها من الدول الأوروبية التي بها أحزاب رسمية معترف بها في الدولة، متمثلة في مسميات مختلفة مثل جماعات "اليمين المسيحي المتطرف"، أو "القوميون"، أو "النازيون الجدد"، أو "جماعات تفوق العرق الأبيض"، وقد أشار إلى هذه الظاهرة الدولية المقال المنشور في جريدة النيويورك تايمس في السابع من سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان: "ترمب يُلهم اليمين المتطرف في ألمانيا"، حيث توصل المقال إلى استنتاجٍ هام مفاده بأن جماعات النازيون الجدد، والقوميون، واليمينيون المتشددون، يعتبرون بأن ترمب هو الملهم والمحرر لهم، فهو الذي مهَّد لهم الطريق للتعبير العلني عن تطرفهم وأفكارهم المتشددة والعنيفة، دون تردد، أو خوف من أحد، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في ألمانيا، أو في فرنسا، أو في الدنمارك، أو على مستوى الأفراد في الكثير من الدول. كما وصل إلى هذه النتيجة نفسها، التحقيق المنشور في صحيفة الواشنطن تايمس في 15 سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان: "إعادة انتخاب ترمب مهم جداً لليمين الأوروبي".

 

كذلك مما يؤكد بأن نظرية كيو أنون قد تخطت الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية وأنها أصبحت نظرية ذات بعد دولي، هي نص وفحوى وأسلوب البيانات(المنِفيستُو) التي نشرها الإرهابيون المسيحيون المتطرفون الذين ارتكبت أيديهم العنصرية البشعة جرائم ضد الإنسانية، كان آخرها قتل 52 مسلماً في المسجد في 15 مارس 2019 في مدينة كرست شريش(Christchurch) بنيوزلندا، وقام بهذه العملية إرهابي من أستراليا اسمه برنتون تارانت(Brenton Tarrantحيث إن هؤلاء الإرهابيين ينشرون بضاعتهم الفاسدة في الإنترنت، وفي منصات ومنتديات خاصة بهم، مثل موقع ( 4chan)، و (8chan)، و (8kun).

 

كذلك نشرت المجلة الأمريكية "شؤون أجنبية"(Foreign Affairs ) في 23 يونيو 2020 دراسة تحت عنوان: "التهديد المتعاظم للبيض المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض"، حيث استنتج الباحث بأن التهديد من جماعات تفوق العرق الأبيض على المستوى الدولي لا يختلف عن جماعة تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) أو القاعدة، فجماعات اليمين المسيحي المتطرف لها أفكار عدائية متشددة، وتربطها مع بعض "شبكة تعاون وتبادل الخبرات عبر الإنترنت"، وتؤمن بالقيام بالأعمال العنيفة الإرهابية لتحقيق أهدافها، فقد أكدت الدراسة بأن هذه الجماعات لديها مخيمات تدريب عسكرية على السلاح في عدة دول منها أوكرانيا، وبولندا، وبلغاريا، وبريطانيا ونشاطهم "يتعدى الحدود الجغرافية المحلية والقومية".

 

وفي تقديري فإن هذه الجماعات وأصحاب نظرية كيو أنون، هي جماعات موجودة على المستوى الدولي، وهم يشكلون خطورة كبيرة على أمن دولهم وعلى الدول الأخرى على حدٍ سواء، فهي جماعات مع اختلاف أسمائها تتشكل من المسيحيين البيض، ويشتركون مع بعض في المواقف والأفكار والسياسات، ويقومون بأعمال عدائية وإرهابية ضد الأقليات والمجنسين وأتباع الأديان في الغرب خاصة، كما أن تهديدهم للأمن والاستقرار يكمن في تغلغلهم واختراقهم لأجهزة الأمن الخاصة وأجهزة الشرطة عامة في دولهم.

 

فمتى يُشكل الغرب تحالفاً دولياً يحارب هذه الجماعات الإرهابية المتشددة، كما يحارب الجماعات الإرهابية التي تُسمي نفسها إسلامية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق