الاثنين، 12 أكتوبر 2020

ماذا يقول العلم عن لبس الكمامة؟

الصراع محتدم وشديد في الولايات المتحدة الأمريكية بين ترمب شخصياً الذي كان يرفض مفتخراً لبس الكمامة في لقاءاته العامة والخاصة قبل مرضه، ومازال يُصر إلى حدٍ كبير على موقفه العنيد، وبين الكثير من أفراد المجتمع الأمريكي من رجال الطب والعلم والسياسة.

 

فالرئيس ترمب من خلال موقفه المكابر والمستهتر والساخر من لبس الكمامة يريد أن يَظْهر أمام الشعب الأمريكي بأنه رئيس قوي وشجاع لا يهاب المرض ولا يخاف الموت، فهو يعتقد بأن ارتداء الكمامة مؤشر ضعفٍ وقلةَ حيلة، وعدم القدرة على مواجهة وتحدي المرض وقيادة البلاد نحو الخلاص من هذا الفيروس العقيم.

بل يا ليت الرئيس ترمب منع نفسه فقط من ارتداء الكمامة، وإنما تبنى سياسات عامة حجب من خلالها أي قرار عام يهدف إلى إلزام الناس إلى ارتداء هذه الكمامات الواقية، حيث نشرت صحيفة النيويورك تايمس تحقيقاً في التاسع من أكتوبر حول منع البيت الأبيض لمسودة قرار صادر من مراكز منع والتحكم في المرض لفرض لبس الكمامات الواقية في وسائل النقل العام وفي مواقف ومحطات هذه الوسائل كالطائرات والقطارات والحافلات. فقد أكد التحقيق على أنه بالرغم من موافقة ودعم وزير الصحة والخدمات الإنسانية، وبالرغم من وجود إجماع من المختصين من علماء أمريكا بأن الكمامات هي الوسيلة الأكثر فاعلية والأكثر جدوى في وقاية الإنسان من عدوى الفيروس، وبخاصة في الأماكن المزدحمة والضعيفة التهوية، إلا أن رئيس فريق عمل البيت الأبيض حول فيروس كورونا نائب الرئيس مايك بنس، رفض حتى مناقشة القرار.

 ولكن هل هذا الموقف الشخصي من ترمب ومن البيت الأبيض حول الكمامة سليم وله ما يبرره منطقياً؟

وهل يستند إلى أي دليلٍ علمي حديث، أو بحثٍ طبي جديد لم نطلع عليه؟

وهل إصابته بالمرض في الثاني من أكتوبر لها علاقة بالامتناع عن ارتداء الكمامة؟

 

 

فالإجابة عن هذه الأسئلة، وعن ممارسات البيت الأبيض التي تثير الشكوك عند عامة الناس حول جدوى لبس الكمامة، تحتاج إلى الرجوع إلى رأي العلم والعلماء وأبحاثهم في مجال فاعلية هذه الكمامة التي نضعها على الأنف والفم، ومدى قدرتها على منع الفيروسات، أو البكتيريا، أو الكائنات المرضية المعدية الأخرى من الدخول في جسم الإنسان عن طريق الفم أو الأنف، وبالتحديد بالنسبة لهذا الفيروس الغامض والجديد، سارس_كوفيد_2(SARS-CoV-2) الذي مازال العلم يجهل الكثير عن مصدره، ومكان انتشاره، وطرق العدوى به، والعلاج المستدام منه؟

 

وقد نشرت مجلة "الطبيعة" المرموقة في السادس من أكتوبر من العام الجاري مقالاً تحت عنوان: "كمامات الوجه: ماذا تقول الحقائق؟"، وفي هذا المقال يجري الكاتب حصراً شاملاً للدراسات والأبحاث التي نُشرت في مجال فاعلية وجدوى وفوائد ارتداء الكمامات الواقية لمكافحة هذا الفيروس المجهول. وقد خلصت الدراسة إلى عدة استنتاجات مهمة، منها:

أولاً: وضع الكمامات على الأنف والفم بشكلٍ عام مفيد، ويخفف من تأثيرات فيروس كورونا على الإنسان.

ثانياً: نسبة فاعلية الكمام في التصدي للفيروس ومنع دخوله إلى جسم الإنسان تعتمد على عدة عوامل منها نوع الكمام من ناحية القماش الذي صُنع منه الكمام، فهل هو مصنوع من القطن أو البلاستيك، إضافة إلى حجم الفتحات المجهرية الموجودة في القماش، وأخيراً ارتداء الكمامة بطريقة صحيحة بحيث إنها تغطي الفم والأنف بشكلٍ كامل ودقيق. فعلى سبيل المثال، الكمامة العالمية المعروفة والمستخدمة في المجال الطبي هي من نوع (N95)، وهي مصممة لترشيح ومنع دخول الجسيمات الدقيقة الموجودة في الهواء الجوي التي يصل قطرها إلى 0.3 ميكرومتر، أو أكبر، وبنسبة 95%، علماً بأن قطر الفيروس يبلغ نحو 0.1 ميكرومتر، ولكن الفيروس لا ينتقل وحيداً وإنما ينتقل مع الإيروسولات والدقائق والجسيمات المائية التي تنطلق أثناء الكلام، أو السعال، أو العطاس، والتي يتراوح قطرها من 0.2 ميكرومتر إلى 10 ميكرومترات.

 

ثالثاً: أكدت الدراسات التي تم حصرها، والتي أُجريت على الحيوانات، أو على البشر بأن ارتداء الكمامات يلعب دورين مهمين. الأول هو أن الكمامة تقي الإنسان من انتقال الفيروس إلى أعضاء الجسم، وتقلل من انتشار الفيروس في المجتمع الواحد، والثاني هو أن الكمامة تخفف من حدة وشدة الأعراض التي تنكشف على الإنسان إذا تعرض لهذا الفيروس بجرعات منخفضة وهو يلبس الكمامة. كما أفادت الدراسات الميدانية التي أُجريت في عدة مدن حول العالم بأن المجتمعات التي التزمت بلبس الكمامات انخفضت عندها أعداد الأموات من الفيروس.

 

رابعاً: منظمة الصحة العالمية ومراكز التحكم في المرض في الولايات المتحدة الأمريكية لم توص في بداية الوباء باستخدام الكمامات لعدم وضوح الصورة حول الفيروس المجهول، وعدم توافر الأدلة العلمية الدامغة التي تثبت فاعلية الكمامات أمام غزو هذا الفيروس الجديد لجسم الإنسان. ولكن هذه السياسة تغيرت بعد أشهر قليلة جداً عندما توافرت الدراسات العلمية والبحوث الميدانية من الواقع حول فاعلية وجدوى الكمامات، ولذلك في شهر أبريل أوصتْ مراكز منع والتحكم في المرض الأمريكية لارتداء الكمامات، ثم في يونيو تبعتها منظمة الصحة العالمية، وجاءت بعدها معظم دول العالم لتطبق سياسة إلزامية لبس الكمامات الواقية.

 

وختاماً فإن مكافحة ومواجهة الرياح الصرصر العاتية لهذا الفيروس الخبيث التي هبَّت على كل بقعة صغيرة وكبيرة من العالم، لا يمكن إلا بتبني مجموعة من الحلول، ويُعتبر لبس الكمامة هو أحد أركان ودعائم مكافحة المرض وأحد الحلول الرئيسة، إضافة إلى التباعد الاجتماعي وتجنب الاختلاط بالناس في الأماكن المزدحمة والمغلقة، وغسل اليدين جيداً بالماء والصابون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق