الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

أين ذهب مصنع حرق القمامة؟

نُشر خبر في أخبار الخليج في 18 أكتوبر تحت عنوان: "أكثر من مليون طن من المخلفات استقبلها مدفن عسكر في تسعة  أشهر"، حيث جاء في الخبر أنه  في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2020، أي خلال تسعة أشهر فقط، فقد استقبل مدفن عسكر الخاص بدفن المخلفات المنزلية والبلدية والصناعية غير الخطرة ما مجموعه 1.021.759 مليون طن من المخلفات، حيث كانت النسبة الأكبر للمخلفات المنزلية، أو القمامة، بواقع 444.755 ألف طن من القمامة بما نسبته 44% من المخلفات، ثم في المرتبة الثانية بالنسبة لوزن المخلفات كانت المخلفات التجارية والصناعية وهو 275.480 ألف طن بما نسبته 27% من المخلفات، وجاءت مخلفات الهدم والبناء في المرتبة الثالثة حيث بلغ وزنها 239.254 ألف طن بما نسبته 24%، وأخيراً حازت المخلفات الزراعية المرتبة الأخيرة من حيث الوزن وهو 55.947 ألف طن بما نسبته 5% من المجموع الكلي للمخلفات.

 

كما أفاد الخبر بأن وزارة الأشغال وشؤون التخطيط العمراني أكدت على وثيقة "الاستراتيجية الوطنية لإدارة المخلفات"، والتي تهدف إلى إدارة المخلفات وفقاً لأفضل الممارسات البيئية والبلدية المتبعة عالمياً، وتقليل نسبة النفايات الواردة للمدفن من خلال تطبيق سياسة الفرز والتدوير وإعادة الاستعمال، وتحقيق عائد مالي للدولة، وخفض نفقات التشغيل الحالية المتبعة في التعامل مع المخلفات وإعادة استخدام المواد المدورة وتوليد الطاقة من عمليات الحرق، كما تهدف الاستراتيجية إلى تعزيز مساهمة القطاع الخاص في عملية الإدارة المتكاملة للمخلفات وتحقيق أعلى معدلات الاستدامة البيئية".

 

وقد استوقفني هذا الخبر لما له من أهمية كبيرة بالنسبة لي شخصياً وبالنسبة لمملكة البحرين بشكلٍ عام من الناحيتين البيئية والصحية والاجتماعية، فقضية الإدارة المستدامة للمخلفات الصلبة البلدية والصناعية هي شأن من شؤوني اليومية، وهم أرعاه وأكتب عنه وأبحث في تفاصيله منذ أكثر من 36 عاماً، منذ أن تخرجتُ من الجامعة في عام 1984. ولذلك استناداً إلى الخبرة التي تراكمت لدي حول هذه القضية الحيوية، فإنني أرغب في تقديم الملحوظات التالية:

 

أولاً: في عام 1992 أعددتُ كتاباً بتكليف من "الهيئة البلدية المركزية" تحت عنوان: "القمامة المنزلية وطرق الاستفادة منها"، حيث قسمتُ الكتاب إلى خمسة فصول، الأول حول أنواع النفايات الصلبة، والثاني تحدثت فيه عن خصائص القمامة المنزلية، وفي الفصل الثالث تناولت الأضرار الناجمة عن سوء إدارة القمامة المنزلية، وأما الفصل الرابع فقد تطرقت فيه إلى طرق التخلص والاستفادة من القمامة المنزلية، وأخيراً في الفصل الخامس قدمتُ رؤيتي حول سياسة واستراتيجية القمامة المنزلية في دولة البحرين، حيث وضعت في هذا الفصل أنسب الطرق للتخلص من المخلفات البلدية الصلبة استناداً إلى المعطيات الموجودة في البحرين وظروفها الجغرافية والمناخية، من حيث مساحة البحرين ودرجة حرارتها وكمية الأمطار التي تنزل عليها، إضافة إلى المشاريع التنموية الحالية والمستقبلية التي تقوم بتنفيذها البحرين وحجم المساحة من الأرض التي تحتاج إليها، كما أخذتُ في الاعتبار كمية المخلفات التي تصل إلى المدفن يومياً والزيادة السنوية المستقبلية والطرق والوسائل الموجودة تجارياً لإدارة القمامة وتدويرها وإعادة استعمالها. فقد كانت رؤيتي تتلخص في ضرورة إنشاء محرقة تقوم بحرق معظم الكميات التي تنتج من القمامة على أسس بيئية سليمة، وتستفيد من الحرارة الناتجة لتوليد الكهرباء، ثم إنشاء مصانع صغيرة مساندة لتدوير المخلفات التي لا يمكن حرقها.

 

ثانياً: كانت هناك محاولة قبل أكثر من عقد من الزمان لاستقطاب شركات تقوم بحرق القمامة وتوليد الطاقة من الحرارة الناجمة من الحرق، وبالفعل اتخذتْ عدة خطوات عملية شاركت فيها البلديات، والمجالس البلدية وغيرها من الجهات المعنية لتنفيذ هذه الخطة والرؤية التي طرحتها في كتابي، ولكن لا أعلم حتى الآن ماذا جرى لهذه الشركات، وإلى ماذا توصلت إليها، وما هو موقف ورأي الحكومة من ذلك؟ فقد حدث صمت مفاجئ عن هذا المشروع الوطني الهام، فلم أسمع عنه أي خبر منذ ذلك الوقت، وأتمنى أن يقوم أحد المسؤولين المعنيين بالإجابة عن هذه الاستفسارات.

 

ثالثاً: من أهم بنود الاستراتيجية الوطنية للمخلفات الصلبة هي خفض إنتاج المخلفات من مصادرها المختلفة وتقليل كمية المخلفات التي تصل في نهاية المطاف إلى المدفن للتخلص منها بدفنها تحت الأرض، ولكن حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة من وزارة الأشغال وشؤون التخطيط العمراني فإن كمية المخلفات في ازدياد مطرد مع الوقت، وفي ارتفاع شديد لا يتناسب مع مساحة البحرين الصغيرة ولا يتوافق مع الطموحات التنموية الكبيرة للبحرين والتي تحتاج كلها إلى مساحات واسعة لتنفيذها على أرض الواقع. كما إن ازدياد كمية المخلفات سنوياً مؤشر سلبي يفيد بأن الاستراتيجية الخاصة بالمخلفات لا تطبق كلياً على الأرض، وأن هناك ضعفاً في تطبيق هذا البند المتعلق بتحقيق التنمية المستدامة في البحرين في مجال إدارة المخلفات الصلبة.

 

رابعاً: مازالتْ الجهات المعنية بإدارة المخلفات تعتمد كلياً على أسلوب واحد فقط للتخلص من المخلفات والقمامة المنزلية والبلدية الصلبة وهي عملية الدفن، وهذه العملية وحدها مستمرة منذ قرون دون أن تتغير أو تتطور، ولذلك لا بد من الجهات المعنية دراسة وسائل وطرق أخرى، وهي كثيرة ومتعددة، لإدارة هذه المخلفات، وعلى رأسها الحرق البيئي للمخلفات وتوليد الكهرباء من الحرارة الناجمة عنها، وفي الوقت نفسه لا بد من إشراك القطاع الخاص للاستثمار في قضية إدارة المخلفات، ولا بد من الحكومة دعم القطاع الخاص للقيام بذلك، فهي المستفيد الأول من التخلص المستدام للمخلفات من عدة نواحي منها توفير مساحات شاسعة من الأرض الشحيحة، ومنها توفير الكلفة العالية لإدارة المخلفات وحماية صحة الإنسان والمجتمع من التأثيرات السلبية لهذه المخلفات، إضافة إلى تحقيق بنود التنمية المستدامة لمملكة البحرين في مجال المخلفات بشكلٍ عام.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق