الخميس، 22 أكتوبر 2020

دواعش اليمين المتطرف

لا أحتاجُ إلى أن أتحدث، أو أُعلق على ممارسات بعض الجماعات التي تدَّعي الإسلام كتنظيم القاعدة، أو تنظيم الدولة الإسلامية(داعش)، فهي معروفة لدى الجميع، وأُشبعتْ نقداً وتفصيلاً وحديثاً من كُتاب الشرق والغرب على حدٍ سواء، ولكن ما أحتاج التنبيه إليه، والتركيز عليه هو الدواعش الجدد الذين ظهروا بشكلٍ واضح في السنوات القليلة الماضية، وحفروا بصماتهم العنيفة في المجتمعات الإنسانية، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأوروبية.

 

فهؤلاء الدواعش المسيحيون الغربيون يتم عادة تجاهلهم، أو في أغلب الأحيان غض الطرف عن أفكارهم، ومواقفهم، وممارساتهم الإرهابية العنيفة تحت مظلة حرية الرأي والتعبير، وكفالة الدساتير الغربية للتنوع الفكري، كما إنهم في الوقت نفسه يَنْعمُون ويَنْمُون تحت غطاءٍ شرعي ومظلة رسمية من الأحزاب ووسائل الإعلام التي تمثل فكرهم، وتُروج لسياساتهم، وتبرر أعمالهم، وتشكل لهم الحماية والوقاية من أي إجراء حكومي ضدهم، بل وفي بعض الأحيان نجد بأن رئيس الدولة، أو رئيس الحزب يعطي مؤشرات إيجابية تُنمي وتروج لأفكار هذه الجماعات، وتُقدم لهم الضوء الأخضر للقيام بأعمال عنف، ثم تُصر هي نفسها على تبرير أعمالها غير القانونية وعدم إدانتها، أو انتقادها.

 

ولكن الواقعة العظمى التي أوشكت أن تقع في ولاية ميشيجن الأمريكية، فتهز المجتمع الأمريكي هزاً عنيفاً فتزلزل الأرض من تحت أقدامها، من المفروض أن تُغير هذا الوضع جذرياً، وتحدث تحولاً كلياً في سياسة الحكومات الغربية، بل وسياسات ومواقف دُولنا تجاه هؤلاء الدواعش المسيحيين الجدد من البيض الذين يعملون تحت مسميات متعددة منها أحزاب يمينية متشددة، ومعترف بها في الدول، وتتمتع بتمثيلٍ في البرلمانات وبعض الحكومات، ومنها جماعات "النازيون الجدد"، أو "القوميون"، أو "جماعات تفوق العرق الأبيض"، وكل هذه الجماعات والأحزاب تشترك في أنها "مسيحية" وأعضاؤها من "البيض"، كما أن لهم معتقدات مشابهة إلى حدٍ بعيد منها كُره الأجانب والأقليات والأديان الأخرى غير المسيحية، ومحاربة المهاجرين والتجنيس، ولهم مواقف معادية من الحكومات الاتحادية، والبعض منهم يؤمن بنظرية "كيُو أَنُون" التي ملخصها بأن هناك أفراداً من شياطين الإنس من المتنفذين سياسياً ومالياً يحاولون السيطرة على العالم ونشر الفساد الأخلاقي بين سكان الأرض، وأن ترمب هو المنقذ للبشرية من هؤلاء الأشرار الفاسقين والطغاة، كما أنهم يعتبرون فيروس كورونا خدعة ومكيدة ويجب عدم الإلتزام بإجراءات وقرارات الحكومة المتعلقة بالتحكم في المرض. 

 

فالطامة الكبرى التي تم التخطيط لها لأشهر طويلة من قبل عدة أفراد وجماعات يمينية متطرفة، منها ميليشيا محلية مدججة بالسلاح تُطلق على نفسها "ولفرين واتشمن" ( Wolverine Watchmen)، كانت بمثابة انقلابٍ عسكري على حكومة ولاية ميشيجن، وكان المخططون ينون القيام بعدة عمليات إرهابية عنيفة، حيث قاموا بتنظيم مخيمات عسكرية سرية للتدريب على المهمات والعمليات التي سيقومون بها في مناطق نائية من الولاية، ومن هذه العمليات خطف الحاكمة الديمقراطية للولاية، جريتشن وايتمر(Gretchen Whitmer)، وحاكم ولاية فيرجينيا رالف نورثأم(Ralph Northam)، إضافة إلى قتل بعض "الطغاة" من المسؤولين الحكوميين، حسب وصفهم، وزرع متفجرات تحت بعض الجسور، ثم إشعال نار فتنة الحرب الأهلية في البلاد، والقيام بتجنيد 200 من المسلحين لإتمام كل هذه العمليات. وقد قامت الجهات الأمنية المختصة ومنها مكتب التحقيقات الفيدرالية(إِفْ بِي آي) بتوجيه التهم إلى 14 فرداً من اليمين المتطرف، علماً بأن بعض هؤلاء المتطرفين هم أنفسهم اقتحموا بأسلحتهم النارية في الثلاثين من أبريل من العام الجاري مبنى عاصمة الولاية في مدينة لانسينج احتجاجاً على إجراءات الولاية المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا، ولكن لم يعتقلهم أحد، أو يوجه لهم أية تهمة!

 

فهذه الكارثة التي أوشكت أن تنزل على المجتمع الأمريكي من المفروض أن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير وجرس الإنذار الأخير للتهديدات الإرهابية الواقعية التي تمثلها جماعات اليمين المسيحي المتطرف والمسلح على الأمن الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية، بل وأمن واستقرار حكومات الدول الغربية التي تُفرخ فيها هذه الجماعات، والتي قد يمتد تأثيرها على دولنا عندما يفوز ممثل عنها في البرلمان، أو يكون عضواً في إحدى حكومات هذه الدول.

 

فهناك تقارير كثيرة نشرتها وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الأوروبية عن وجود هذه الجماعات في بعض الدول الغربية وعن تأثرها العميق بأفكار اليمين المتطرف العنيف في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى اعتقادها بدور الرئيس الأمريكي ترمب كمخلص للبشرية من براثن شياطين الإنس، ومنها المقال التحريري لمجلة التايم الأمريكية في 13 أكتوبر تحت عنوان:"العاصفة الكاملة: مؤامرة ميشيجن تؤكد خطورة تجاهل تهديدات اليمين المتطرف".

 

فهذه الجماعات من اليمين المسيحي العنيف والمتشدد لا تختلف في تقديري عن تنظيم الدول الإسلامية(داعش)، فبينهم قواسم مشتركة كثيرة تتلخص في النقاط التالية:

أولاً: دواعش اليمين المسيحي المتطرف لهم معتقدات وأفكار متشددة تختلف عن سائر أطياف المجتمعات الغربية.

ثانياً: دواعش اليمين يؤمنون بالعنف والإرهاب في تحقيق أهدافهم، ولذلك قاموا بالعديد من الأعمال الإرهابية ضد الأقليات الدينية، وضد حكوماتهم الاتحادية، وضد شعوبهم عامة، منها على سبيل المثال لا الحصر قيام مسيحي يميني متطرف بتدمير مبنى اتحادي في ولاية أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأمريكية وقتل من فيه وبالقرب منه، ومنها قتل المئات من أبناء النرويج على يد إرهابي مسيحي متشدد، ومنها قتل 52 في مسجدين في نيوزلندا على يد إرهابي من أستراليا، ومنها قتل العشرات في مدينة ألباسو في ولاية تكساس الأمريكية في مجمع تجاري مكتظ بالناس.

ثالثاً: دواعش اليمين المسيحي المتطرف، حسب عدة تقارير غربية كتبتُ عنها في مقالات سابقة، يعملون تحت سقفِ منصات ومواقع متعددة من شبكة في الإنترنت، ويتم التواصل فيما بينهم من خلال هذه الوسيلة، أي أنهم حركة دولية لها فروع ثابتة في الكثير من دول العالم. وقد أكد مدير المخابرات البريطانية(إم 15) كِن ماكْكَالم(Ken McCallum) في تصريحاته في 15 أكتوبر من العام الجاري ونقلتها صحيفة الإندبندنت في المقال تحت عنوان:" المتطرفون اليمينيون خطر رئيس في المملكة المتحدة، يقول رئيس المخابرات"، فقد حذَّر مدير المخابرات البريطانية بأن الإرهاب من اليمين المتطرف يأتي في المرتبة الثانية بعد الإرهاب "الإسلامي"، وأكد بأن هذا الخطر سيتفاقم في المستقبل القريب ويزيد مع الوقت بسبب تجنيدهم للشباب وشحن عقولهم بالأفكار المتطرفة، كما أفاد مدير المخابرات بأن هناك أدلة دامغة على وجود علاقات قوية بين هذه الجماعات على المستوى الدولي.

 

ولكن الفرق بين دواعش المسيحيين ودواعش المسلمين، أن دواعشهم يحظون بهامشٍ كبير من الحرية والتعبير عن الرأي والفكر، ولديهم الغطاء القانوني الرسمي السياسي والإعلامي للعمل العلني في مجتمعاتهم والترويج لمعتقداتهم، وأما دواعشنا فهم يواجهون تحالفاً دولياً عسكرياً بقيادة أقوى دولة على وجه الأرض لمحاربتهم في كل بقعة من بقاع الأرض.

 

فمتى سأرى التعامل بالمثل مع جميع الإرهابيين من جميع الأديان، دون تفريقٍ أو تمييز، ومتى سأرى هذا التحالف الدولي ضد دواعشهم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق