الاثنين، 8 مارس 2021

"حان الوقت للحديث عن التطرف المسيحي العنيف"

لفت انتباهي مقال منشور في مجلة "البوليتيكو"( POLITICO) الأمريكية في الرابع من فبراير من العام الجاري تحت عنوان: "حان الوقت للحديث عن التطرف المسيحي العنيف"، وبعد أن قمتُ بقراءة المقال، وبحثتُ قليلاً في هذه القضية المتعلقة بتطرف بعض جماعات اليمين "المسيحي"، وعلاقته بأعمال الشغب والعنف التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، والتي وصلت ذروتها في غزو بيت الديمقراطية الشامخ والعريق، وهو الكونجرس، وجدتُ بأن هذا المقال يقدم مثالاً واحداً من بين مقالات وتحقيقات ودراسات كثيرة بدأت تظهر في المجلات العلمية المتخصصة، وفي سائل الإعلام الأمريكية على حدٍ سواء حول التهديدات المتزايدة والعلنية لليمين المسيحي المتطرف، وعلاقة "الدين المسيحي"، أو إحدى عائلات وطوائف الدين المسيحي بهذا العنف الذي رأيناه جميعاً رأي العين أمامنا في الولايات المتحدة الأمريكية في حالات كثيرة.

 

فهذه الدراسات والمقالات تتناول بُعداً يتطرق إليه القليل من الكتاب والباحثين، فمعظم من في الشرق والغرب من الحكومات، والكتاب، والمثقفين مشغولون كثيراً بما يُطلقون عليه بالتطرف الإسلامي، أو الجماعات الإسلامية المتشددة والعنيفة، فالحكومات بشكلٍ خاص، في الدول غير الإسلامية، إضافة إلى الدول العربية والإسلامية تركز بشكلٍ حصري وكلي، وتنشء التحالفات العسكرية لمحاربة هذا الإرهاب الإسلامي من بعض الجماعات التي تُطلق على نفسها بأنها إسلامية، كما هو الحال الآن، أخيراً وليس آخراً بالنسبة للحكومة الفرنسية التي تحارب المسلمين في فرنسا بحجة محاربة التطرف والإرهاب الإسلامي، وتتجاهل في الوقت نفسه أحزاب اليمين المسيحي المتطرف.

وهذه التحالفات وتركيزها الكلي على مواجهة مصدرٍ واحدٍ فقط للإرهاب على المستويين القومي والدولي، إضافة إلى حصول الجماعات المتطرفة من المذاهب والأديان الأخرى على الغطاء الرسمي الشرعي السياسي والأمني في دولهم، أعمتْ هذه الدول، وأنستهم الإرهاب الناجم عن مصادر أخرى، وعن أتباع الديانات والمذاهب والطوائف الأخرى، كالإرهاب اليهودي، أو إرهاب الدولة للشعب الفلسطيني، وإرهاب البوذيين العسكريين للأقليات المسلمة في بورما، وإرهاب اليمين المسيحي المتشدد، مما فتح الباب أمامهم على مصراعيه تحت بند حرية التعبير والرأي لتكاثرها، ونموها، وترعرعها في بيئة خصبة صديقة، ومسامحة، ومتقبلة لأفكارهم المتشددة، وأنشطتهم وأعمالهم العدائية للآخرين.

فالكارثة العظيمة غير المسبوقة التي نزلت على أمريكا في السادس من يناير من العام الجاري والمتمثلة في الاحتلال العنيف من قبل جماعات وميليشيات اليمين المسيحي للكونجرس، أيقظت فئة واسعة من الشعب الأمريكي، متمثلة في الوكالات الأمريكية الأمنية وعلى رأسها وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي(إف بي آي)، إضافة إلى المفكرين والباحثين ووسائل الإعلام، وجعلتهم يوجهون بوصلتهم نحو هذا التهديد الواقعي المشهود والمتزايد للأمن الداخلي الأمريكي، كما وجهتْ عنايتهم حول العلاقة بين الدين المسيحي، المتمثل في المحافظين من الحزب الجمهوري وغيرهم، وطائفة الإنجيليين البروتستانت(evangelical Christians) الذين اعتمد عليهم ترمب في الفوز في انتخابات عام 2016، والذين يبلغ عددهم نحو 80 مليون أو 24% من سكان أمريكا، حسب المقال المنشور في مجلة النيوزويك في 11 فبراير. كذلك تحولت أنظار المهتمين إلى سبر غور تأثير الدين المسيحي على قرارات وأفكار وسياسات الرئيس والحكومة الأمريكية سابقاً وأيام ترمب.

 

وقد بحثتْ كثيراً للنظر في هذه القضية، ووجدتُ ضالتي في دراسة علمية أجراها الباحث موسى يوسف غول في عام 2011 من كلية الدراسات العليا بجامعة بيرزيت تحت عنوان: "تأثير العامل الديني على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش تجاه منطقة الشرق الأوسط"، حيث تطرقتْ الدراسة بإسهاب إلى دور الدين الملموس في السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، وبالتحديد دور مؤسسات وشخصيات اليمين المسيحي، وحزب المحافظين الجدد والقوميين المسيحيين على السياسة الأمريكية وعلى النظام السياسي الأمريكي برمته. وهذا التأثير المسيحي الديني على السياسة الأمريكية، وبالتحديد على بوش في هذه الحالة كانت شبه سرية، ولكنها خرجتْ إلى العلن وبوضوح شديد، وفضحت نفسها بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حيث تعهد بوش في 16 سبتمبر 2011 في مؤتمر صحفي قائلاً: "هذا نوع جديد، صنف جديد من الشر، ونحن نفهم، والشعب الأمريكي بدأ يفهم، هذه حملة صليبية جديدة، هذه الحرب على الإرهاب سوف تستغرق بعض الوقت"، وكما يعلم الجميع فإن الحروب فالصليبية تعني الحروب المسيحية لاسترداد الأراضي المقدسة من المسلمين، ونظراً لوقع هذه العبارة الشديد على المجتمع الإسلامي، فقد حاول المتحدث باسم البيت الأبيض تلطيف الأجواء، وأكد بأن بوش لا يقصد المعني التقليدي المعروف تاريخياً لهذه العبارة.

 

فالتاريخ الأمريكي قديماً وحديثاً وبالتحديد في عهد الرئيس السابق ترمب يشير إلى موقع الدين المسيحي   المتميز والمتقدم في السياسة الرسمية للبلاد، وتأثير الجماعات المسيحية اليمينية المتطرفة القوي عند اتخاذ القرار على المستويين القومي والدولي، ولكن عُمق ونفوذ هذا التأثير وشدته ووضوحه تباين قليلاً بين مدٍ وجزر، وقوة وضعف، حسب أفكار الرئيس الأمريكي الجالس في البيت الأبيض واتجاهات ومعتقدات المجموعة التي تحيط به، إضافة إلى معتقدات الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه، سواء من زعماء وأعضاء الحزب الجمهوري أو الديمقراطي.

 

فالرئيس ترمب، على سبيل المثال فاز بسبب الأصوات التي حصل عليها من اليمين المسيحي، وبالتحديد من المسيحيين الإنجيليين من البيض، فنحو 80% منهم صوتوا لصالح ترمب، وهؤلاء منهم من ينتمي إلى ميليشيات مسلحة، ومنهم اليمينيين المتشددين، كجماعات تفوق العرق الأبيض وأتباع نظرية مؤامرة كُيو أَنون المسيحية المتشددة(راجع المقال المنشور في مجلة "الطبيعة" في 11 فبراير من العام الجاري). وكل هذه التيارات المسيحية المتطرفة كانت لها اليد الطولى في رسم السياسات الأمريكية، سواء على المستوى الدولي، وبالتحديد بالنسبة للقضية الفلسطينية، وقضية المهاجرين من المسلمين تحديداً، أو على المستوى القومي الأمريكي. كما أن تدخل هؤلاء وتعاليمهم في سياسات أمريكا بدت مظاهرها بيِّنة في البيت الأبيض نفسه من خلال عقد جلسة أسبوعية لأداء الصلاة المسيحية مع الرئيس ترمب، ومباركة ودعاء رجال الدين المسيحيين له أمام وسائل الإعلام في عدة مناسبات، مما يؤكد التوافق والرضا والتناغم بين الطرفين، ودورهم في توجيهه نحو تبني قضايا "دينية" محددة.

 

ولذلك أدعو دول العالم إلى توجيه بعض عنايتهم نحو التطرف والإرهاب الديني الدولي غير الإسلامي، وإنشاء تحالف دولي لمواجهتهم والتصدي لأفكارهم المتطرفة، كما يفعلون بالنسبة للجماعات المتطرفة العنيفة التي تدَّعي الإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق