الأربعاء، 14 يوليو 2021

الأمن المائي يصعد إلى مجلس الأمن الدولي

صدر تقرير سري في الثاني من فبراير 2012 من مكتب مدير المخابرات القومية(Office of the Director of National Intelligence) في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعده المجلس الوطني للمخابرات( National Intelligence Council) بالتعاون مع 16 وكالة أمنية استخباراتية أخرى تحت عنوان: "الأمن المائي الدولي: تقييم المجتمع الاستخباراتي" (Global Water Security: The Intelligence Community Assessment ). وقد تم إعداد هذا التقرير بطلب من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لمكتب المخابرات القومية من أجل عمل تقييمٍ شامل حول التأثيرات المحتملة لقضايا وتحديات المياه الدولية على الأمن القومي الأمريكي خلال الثلاثين سنة القادمة، إضافة إلى التعرف على دور هذه التحديات المائية على الأمن والاستقرار على المستوي القومي للدول، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وإمكانية حدوث نزاعات وحروب بين الدول على الثروات والمصادر المائية المشتركة.

 

وفي 22 مارس 2012 تم رُفع غطاء السرية عن التقرير، ونَشَر مكتب مدير المخابرات القومية هذا التقرير المختص بالأمني المائي على الشعب الأمريكي. وقد خَلُص التقرير إلى عدة استنتاجات منها ما تتحقق الآن، ونراها ماثلة أمامنا، كالخلاف العميق القائم بين أثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى على بناء سد النهضة، بل وقد توسع الخلاف ليغطي دول المنْبع كلها من جهة، ودول المصب لنهر النيل من جهة أخرى، ويمكن تقديم هذه الاستنتاجات التي تمخضت عن التقرير باختصار في النقاط التالية:

أولاً: خلال العشر سنوات القادمة فإن المشكلات المائية ستُسهم في حالة عدم الاستقرار في الدول الهامة لمصالح الأمن الأمريكي.

ثانياً: نتيجة للضغوط السكانية والنمو الاقتصادي، فإن دول شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا ستواجه تحديات كبيرة لمواجهة المشكلات المائية.

ثالثاً: ندرة المياه، وتدهور نوعيتها، ونزول الفيضانات لا تؤدي لوحدها إلى سقوط الحكومات، ولكن المشكلات المائية هذه إضافة إلى مشكلة الفقر، والضغوط الاجتماعية، وتدهور البيئة، وعدم فاعلية القيادة، وضعف المؤسسات السياسية، كلها مع بعض ستُسهم في وقوع النزاعات والتوترات الاجتماعية التي تؤدي جميعها إلى سقوط الدول. وعلاوة على ذلك فإن هناك دولاً تتفاقم عندها المشكلة المائية بسبب اعتمادها على مياه النهر الذي يتم التحكم فيه من دول المنبع، والتي لم تحل بينها قضية المشاركة وتخصيص حصة المياه لكل منها.

 

فهذا التقرير الاستخباراتي الغني بالمعلومات، والثري بالاستنتاجات الواقعية الحية والصادر عن أجهزة الأمن الاستخباراتية الأمريكية، بحاجة إلى أن نقف أمامها، ونحلل استنتاجاتها على واقعنا الحالي، وبالتحديد بالنسبة لبؤرة التوتر المائي الحالي بين مصر والسودان ضد أثيوبيا.

 

فقد رفَعتْ كل من مصر والسودان قضية الخلاف حول تعبئة سد النهضة في أثيوبيا إلى "مجلس الأمن" مما يعني أن قضية مياه نهر النيل تحولت إلى قضية أمنية بحتة يجب معالجتها قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح، وأعمال عسكرية تهدد الأمن في تلك المنطقة.

 

فكما يعلم الجميع بأن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يُعد أحد أهم أجهزة الأمم المتحدة الستة التي أُنشئت لحفظ السلام والأمن الدوليين، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، يضطلع مجلس الأمن بتسع مهمات وصلاحيات منها المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة، والتحقيق في أي نزاع، أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي، إضافة إلى تقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات، أو بشأن شروط التسوية. ولكل دولة الحق في تقديم النظر في أية منازعات أو حالات تهدد السلام والأمن الدوليين.

 

فطلب مصر والسودان لمجلس الأمن لمناقشة القضية المائية المتعلقة بسد النهضة تؤكد إذن تخطي هذه القضية للمرحلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحولها إلى المرحلة الأمنية الخطيرة التي تهدد الأمن والسلم بين الدول المعنية، وربما ستدخل فيها دول أخرى لاحقاً. بل وإن وزير الخارجية المصري بدأ يدق طبول الحرب عندما صرح في السابع من يوليو قائلاً بأن الدولة المصرية، وعلى رأسها القيادة السياسية، تولى اهتماماً وأولوية قصوى بقضية سد النهضة، نظراً لاتصالها المباشر بالأمن القومي المصري، وتعمل جميع أجهزة الدولة لتناول الأبعاد المختلفة لهذه القضية، فهذه قضية وجودية لا يمكن التهاون فيها، فلدينا القدرة والإمكانيات للاستمرار في الدفاع عن الشعب المصري ومقدراته، ثم أكد على هذه التصريحات وزير الدفاع قائلاً في كلمة له خلال لقائه مع الضباط المعينين لتولي الوظائف القيادية بالقوات المسلحة بأن "القوات المسلحة بما تمتلكها من قدرات قتالية، وأسلحة متطورة في كافة التخصصات، قادرة على ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر ومقدرات الشعب المصري"، كما أضاف أن "الدفاع عن الوطن وحماية أمنه القومي مهمة مقدسة تتطلب الاستعداد القتالي الدائم وبناء القوة القادرة على مواجهة التحديات".

 

فهذه الأزمة المائية والتوتر الحاد الذي نشهده اليوم بين مصر والسودان وأثيوبيا والذي نبهتُ إلى وقوعه في المقال الذي نشرته في التاسع من يونيو 2013 تحت عنوان:" صراعات حتمية على المياه من واقع الأزمة المصرية الأثيوبية"، ما هو إلا حالة واحدة، ومثال واقعي حي من بين أمثلة كثيرة تؤكد على أن عدم إدارة الموارد والمصادر المائية بطريقة عادلة ومستدامة قد تكون سبباً في إشعال الأزمات بين الدول، وقد تؤدي إلى نشوب الحروب بينها، إذا لم تصل الأطراف المعنية إلى حلٍ يرضيهم ويبعدهم عن شبح الحرب والاقتتال الذي لن ينتصر فيه أحد.

 

ولذلك أُنبه إلى ضرورة الاهتمام في البحرين بما تبقى لدينا من موارد مائية عذبة ومالحة من الناحيتين الكمية والنوعية من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للمياه، حتى نُجنب أنفسنا الوقوع في عدم الاستقرار السياسي والأمني بسبب نُدرة الماء أو تدهور جودته.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق