الخميس، 8 يوليو 2021

الدفاع عن البيئة خطر على حياتك


قول كلمة الحق ليس بعملية سهلة وبسيطة يمكن أن يقوم بها كل الناس، فهي تحتاج إلى جرأة كبيرة، وشجاعة فائقة، وبخاصة في الدول التي لا تؤمن بحرية الرأي والتعبير، وليس لديها أي تحمُّلٍ أو سعة صدر، وتقبل للرأي المختلف والمغاير لسياساتها وبرامجها وممارساتها اليومية، فصاحب كلمة الحق هذا قد يدفع بحياته ثمناً لها، فيُضحي بحياته لكي تبقى هذه الكلمة خالدة في نفوس الناس، وباقية في قلوبهم.

 

ولذلك ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام حول موضع هذه الكلمة والرأي الحق، وعن فضل هؤلاء الناس الذين يقومون بهذه المهمة الخطيرة والصعبة، فرَفع منزلتهم، وأعلى مكانتهم، حيث قال بأن أحب الجهاد إلى الله عز وجل كلمة حق تُقال لإمام جائر، كذلك قال وإن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

 

وكلمة الحق قد تكون في مجالات كثيرة، وفي قضايا متنوعة تدافع عن الحق العام وتكشف المفسدين، كما ترفع صوت من لا صوت له، ومن لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، أو أن يُعبر عن شعوره ومعاناته، وبالتحديد أذكرُ هنا صوت البيئة والذود عن حرماتها، والدفاع عن عناصرها ومكوناتها، سواء أكانت البيئة البحرية، أو المياه الجوفية، أو الصحاري الفطرية، أو الغابات الكثيفة الشديدة التنوع والثرية بالحياة النباتية والغنية بالحياة الحيوانية، أو الهواء الجوي. فكل هذه البيئات التي هي تراث الدول والعالم أجمع على حدٍ سواء، والتي هي الثروة الفطرية الحقيقية المتجددة والنظيفة الباقية للبشر في الدول التي توجد فيها وفي سائر دول العالم، فكل هذه الثروات البيئية لا تستطيع الدفاع عن نفسها ضد جور الإنسان، ولا تستطيع أن تتكلم عن تعدي أيدي الإنسان على حرماتها وسلامتها، ولا تتمكن من إبداء ما يحدث لها من إفسادٍ عام وكبير على صحتها، ولذلك لا بد من وجود من يقوم بهذه المهمة الإنسانية العظيمة، ولا بد من الرجال الصادقين الأشداء والمؤمنين بعدالة هذه القضية الوجودية، فيضحون الغالي والثمين من أجل إيقاف التيار الجارف المدمر للأمن الصحي لهذه المكونات الحية وغير الحية لبيئتنا. 

 

فعندما تتكلم عن حماية البيئة وإيقاف تدميرها فإنك تصطدم في بعض الأحيان مع مصالح الحكومات والدول، وعندما تُسلط الضوء على إفساد مكونات البيئة ونهبها فإنك ستواجه غضب الشركات والأفراد المتنفذين الذين ينتفعون من الاستغلال المفرط والشديد لثروات البيئة الحية، ويستفيدون من الاعتداء الجائر على مواردها دون التوزيع العادل لهذه الفوائد على كافة الأطراف المعنية بهذه الموارد. فعندما يتم حفر البحر ودفنه بطرق عشوائية، وباستخدام أدوات ووسائل غير صديقة للبيئة وعلى مساحات واسعة دون دراسات علمية منهجية، فهذا يحتاج إلى من ينبه إلى خطورتها على الأمن الغذائي للبلاد، وفقدان ثروات حية وغير حية إلى الأبد وبدون رجعه، وعندما تقوم الشركات الكبيرة المتنفذة في إزالة الغابات وتدميرها من أجل الوقود الحيوي، أو من أجل أغراض أخرى، فهذا بحاجة إلى من يذكر إلى تهديدات مثل هذه الممارسات على خسارة التنوع الحيوي وثروة الحياة الفطرية، إضافة إلى تفاقم مشكلة التغير المناخي، وإذا قامت شركات الصيد الجشعة باستغلال البحر بأبشع طريقة من خلال الصيد الجائر واستخدام وسائل صيد مستنزفة للثروة السمكية، فمثل هذه العمليات تستلزم التنويه والضغط المباشر للوقف الفوري لهذه الممارسات غير المستدامة. كذلك إذا قامت مافيا تهريب أعضاء الحيوانات الفطرية النادرة والمهددة بالانقراض بقتل هذه الحيوانات أولاً ثم قطع أجسامها وسرقة أعضائها، فلا بد هنا من الوقوف أمام هذه التحديات الأمنية الخطيرة والمخاطرة بالنفس لإيقافها والتخلص منها.

 

وهذه الحالات والأمثلة التي قدَّمتها لكم ليست نظرية، أو خارجه عن واقعنا، وإنما هي حالات وقعت بالفعل في الكثير من دول العالم، وهناك ضحايا بشرية سقطت بسبب احتجاجهم المستمر على ارتكاب هذه الممارسات التي فيها تعدي سافر على الثروات البيئية، وتحطيم فاضح لمكوناتها نوعياً وكمياً. ومن هذه الأمثلة الحية ما ذَكَرتها بعض وسائل الإعلام في الخامس من يوليو من العام الجاري عن الحُكم الذي صدر على شخص بقتل الناشطة البيئية بيرتا كاسيرس(Berta Cáceres) في هندوراس، والتي دفعت حياتها في الثالث من مارس عام 2016 ثمناً لمواقفها الصارمة ضد قيام شركة متنفذة ببناء سد على نهر جالكاركو(Galcarque) والذي كان سيحَّرم السكان من مصدر الماء العذب، ويؤثر على الحياة الفطرية في تلك المنطقة. كما أن هناك أمثلة أخرى كثيرة، تؤكد أن الإنسان قد يسقط ضحية دفاعه عن البيئة وثرواتها الفطرية، فامرأة أمريكية تُدعى(Dorothy Stang) قضت نحبها في ولاية بارا(Para) في منطقة الغابات المطيرة في الأمازون بالبرازيل بسبب أنشطتها في مجال حماية غابات الأوزون، فهذه المرأة المجاهدة قضت نحو عشرين سنة من عمرها وهي تحمل على عاتقها مسؤولية حماية البيئة، حتى سقطت شهيدة البيئة في 12 فبراير 2005. كذلك هناك المرأة الأفريقية وانجـاري متـاي من كينيا(Wangari Maathai) التي قابلتُها شخصياً في نيروبي ونالت جائزة نوبل للسلام بسبب تضحياتها الكبيرة في مجال حماية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي لعام 2004. فهي أول امرأة، بل وأول إنسان يحصل على جائزة نوبل للسلام من أجل الدفاع عن قضايا بيئية بحتة. فهذه المرأة الشامخة بفكرها، الصلبة بمبادئها، القوية بقناعاتها، ضَحت الكثير من أجل اعتقاداتها البيئية، وكادت أن تفقد حياتها بسبب نشاطها الدؤوب ولسنوات طويلة لحماية تراث بلادها الطبيعي الفطري. فقد عَانت الكثير لتُدافع عن آرائها ومواقفها، فسُجنت عدة مرات، وضُربت ضرباً مبرحاً، وتَلقت تهديدات من عدة جهات تجبرها على التوقف عن أنشطتها ودعواتها البيئية.

 

ولذلك كل من يشرع في الدفاع عن البيئة وقول الحق في هذا المجال، فإنه حتماً سيخلق لنفسه أعداء كثيرين من أصحاب النفوذ والمنافع المادية البحتة التي لا تتوافق طموحاتهم وأنشطتهم مع المصالح البيئية العامة، بل والغريب في بعض الحالات أنه حتى الحكومات التي تعتزم إصدار قوانين وأنظمة بيئية تحدُ من انبعاث الملوثات من المصانع والسيارات فإنها أيضاً تواجه بشدة مجموعات ضغط الشركات الكبرى التي ستتضرر أرباحهم قليلاً من سن هذه التشريعات، ولذلك أتذكر هنا قول الرئيس الأمريكي الجمهوري الأسبق ريتشارد نيكسون : "سَن القوانين البيئية لا يُكسبنا الأصدقاء"! 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق